كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحزين ونسبه

صفحة 224 - الجزء 15

  دخل الحزين على عمرو بن عمرو بن الزّبير بن العوام منزله، فامتدحه وسأله حاجة، فقال له: ليس إلى ما تطلب سبيل، ولا نقدر أن نملأ الناس معاذير، وما كلّ من سألنا حاجة استحقّ أن نقضيها، ولربّ مستحقّ لها قد منعناه حاجته. فقال الحزين: أفمن المستحقّين أنا؟ قال: لا واللَّه، وكيف تكون مستحقّا لشيء من الخير وأنت تشتم أعراض الناس⁣(⁣١) وتهتك حريمهم، وترميهم بالمعضلات، إنّما المستحق من كفّ أذاه، وبذل نداه، ووقم أعداه⁣(⁣٢).

  فقال له الحزين: أفمن هؤلاء أنت؟ فقال له عمرو: أين تبعدني لا أمّ لك من هذه المنزلة وأفضل منها! فوثب الحزين من عنده وأنشأ يقول:

  حلفت وما صبرت على يمين ... ولو أدعى إلى أيمان صبر⁣(⁣٣)

  بربّ الراقصات بشعث قوم ... يوافون الجمار لصبح عشر⁣(⁣٤).

  لو انّ اللؤم كان مع الثريّا ... لكان حليفه عمرو بن عمرو

  ولو أنّي عرفت بأنّ عمرا ... حليف اللؤم ما ضيّعت شعري

  هجاؤه لعمرو بن عمرو ومديحه لمحمد بن مروان

  فقال العمري: وحدّثني لقيط أنّ الحزين قال فيه أيضا يهجوه ويمدح محمد بن مروان بن / الحكم، وجاءه فشكا إليه عمرا، فوصله وأحسن إليه. قال:

  إذا لم يكن للمرء فضل يزينه ... سوى ما ادّعى يوما فليس له فضل

  وتلقى الفتى ضخما جميلا رواؤه ... يروعك في النّادي وليس له عقل

  وآخر تنبو العين عنه مهذّب ... يجود إذا ما الضّخم نهنهه البخل

  فيا راجيا عمرو بن عمرو وسيبه ... أتعرف عمرا أم أتاه بك الجهل⁣(⁣٥)

  فإن كنت ذا جهل فقد يخطئ الفتى ... وإن كنت ذا حزم إذا حارت النّبل⁣(⁣٦)

  جهلت ابن عمرو فالتمس سيب غيره ... ودونك مرمى ليس في جدّه هزل

  عليك ابن مروان الأغرّ محمدا ... تجده كريما لا يطيش له نبل

  قال لقيط: فلما أنشد الحزين محمد بن مروان هذا الشّعر أمر له بخمسة آلاف درهم، وقال له: اكفف يا أخا بني ليث عن عمرو بن عمرو ولك حكمك. فقال: لا واللَّه ولا بحمر النّعم وسودها، لو أعطيتها ما كففت عنه، لأنه ما علمت كثير الشرّ، قليل الخير، متسلَّط على صديقه، فظَّ على أهله. «وخير ابن عمرو بالثريا معلق».

  استثاره محمد بن مروان فهجا عمرو بن عمرو

  فقال له محمد بن مروان: هذا شعر. فقال: بعد ساعة يصير شعرا، ولو شئت لعجّلته. ثم قال:


(١) بعده سقط في مب، ها ينتهي في ص ٣٤٠.

(٢) الوقم: الإذلال والقهر. ما عدا ح: «وأرغم أعداه».

(٣) ف: «حلفت يمين صبر».

(٤) الراقصات: الإبل ترقص في سيرها، وهو ضرب من الخبب. شعث: جمع أشعث. ما عدا ح: «بشعب قوم» تحريف.

(٥) أي أتى بك الجهل إليه.

(٦) كذا في م، أي ضلت سهامك سبيل القصد. وفي أ: «حازت». وفي سائر النسخ: «جازت».