كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب محمد بن حمزة بن نصير الوصيف وأخباره

صفحة 239 - الجزء 15

  علو كعبه في الغناء وانتصار إسحاق له

  أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني محمد بن مهرويه قال: حدثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدثني الفضل بن المغنّي، عن محمد بن جبر قال:

  دخلنا على إسحاق بن إبراهيم الموصليّ نعوده من علَّة كان وجدها، فصادفنا عنده مخارقا، وعلَّوية، وأحمد بن المكي وهم يتحدّثون، فاتّصل الحديث بينهم، وعرض إسحاق عليهم أن يقيموا عنده ليتفرّج⁣(⁣١) بهم، ويخرج إليهم ستارته يغنّون من ورائها، / ففعلوا وجاء محمد بن حمزة وجه القرعة على بقيّة⁣(⁣٢) ذلك فاحتبسه إسحاق معهم، ووضع النبيذ وغنّوا، فغنّى أو علَّوية صوتا من الغناء القديم، فخالفه محمد فيه وفي صانعه، وطال مراؤهما في ذلك، وإسحاق ساكت، ثم تحاكما إليه فحكم لمحمد وراجعه علوية، فقال له إسحاق: حسبك، فو اللَّه ما فيكم أدرى بما يخرج من رأسه منه. ثم غنّى أحمد بن يحيى المكَّيّ قوله:

  قل للجمانة لا تعجل بإسراج⁣(⁣٣)

  فقال محمد: هذا اللَّحن لمعبد ولا يعرف له هزج غيره. فقال أحمد: أمّا على ما شرط أبو محمد آنفا من أنّه ليس في الجماعة أدرى بما يخرج من رأسه منك فلا معارض لك. فقال له إسحاق: يا أبا جعفر، ما عنيتك واللَّه فيما قلت، ولكن قد قال إنّه لا يعرف لمعبد هزج غير هذا، وكلَّنا نعلم إنّه لمعبد، فأكذبه أنت بهزج آخر له مما لا يشكّ فيه. فقال أحمد: ما أعرف.

  نسبة هذا الصوت

  استماع جواري إسحاق إلى غنائه وإعجابهن به

  قال محمد بن الحسن: وحدثني إسحاق الهاشميّ عن أبيه:

  أنّ محمدا دخل معه على إسحاق الموصليّ مهنئا له بالسلامة من علَّة كان فيها، فدعا بعود، فأمر به إسحاق فدفع إلى محمد، فغنّى أصواتا للقدماء وأصواتا لإبراهيم، وأصواتا لإسحاق، في إيقاعات مختلفة، فوجّه إسحاق خادما بين يديه إلى جواري أبيه، فخرجن حتّى سمعنه من وراء حجاب، ثم ودّعه وانصرف، فقال إسحاق للجواري: ما عندكنّ في هذا الفتى؟ فقلن: ذكَّرنا واللَّه أباك فيما غنّاه. فقال: صدقتنّ. ثم أقبل علينا فقال: هو مغنّ محسن، ولكنّه لا يصلح للمطارحة لكثرة زوائده، ومثله إذا طارح جسر الذي يأخذ عنه⁣(⁣٤) فلم ينتفع له، ولكنّه ناهيك به من مغنّ مطرب.

  طلب مخارق منه أن يصلح غناء جواريه

  / قال إسحاق: وحدّثت أنه صار إلى مخارق عائدا، فصادف عنده المغنّين جميعا، فلما طلع تغامزوا عليه،


(١) ب، س، أ: «ليفرح» وسائر النسخ: «ليفرج» والصواب ما أثبت من مب، ها، ف.

(٢) مب، ها، ف: «على تفية ذلك».

(٣) أ، م: «للجماعة».

(٤) جسر، بالجيم في جميع النسخ، أي عجز. وأصله من قولهم: «جسر الفحل وفدر وجفر، إذا ترك الضراب. مب، ها، ف:» حير.