كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب لبيد وأخباره

صفحة 247 - الجزء 15

  أرجزا تريد أم قصيدا ... لقد طلبت هيّنا موجودا

  تفضيله على الأغلب العجلي في العطاء

  ثم أرسل إلى لبيد فقال: أنشدني. فقال: إن شئت ما عفي عنه - يعني الجاهلية - فقال: لا، أنشدني ما قلت في الإسلام. فانطلق فكتب سورة البقرة في صحيفة ثم أتى بها وقال: أبدلني اللَّه هذه في الإسلام مكان الشعر.

  فكتب بذلك المغيرة إلى عمر، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد، / فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة، فكتب الأغلب: يا أمير المؤمنين أتنقص عطائي أن أطعتك؟! فردّ عليه خمسمائة وأقرّ عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة.

  محاولة معاوية إنقاص عطائه

  قال أبو زيد: وأراد معاوية أن ينقصه من عطائه لمّا ولي الخلافة، وقال: هذان⁣(⁣١) الفودان - يعني الألفين - فما بال العلاوة؟ يعني الخمسمائة. فقال له لبيد: إنما أنا هامة اليوم أو غد، فأعرني اسمها⁣(⁣٢)، فلعلَّي لا أقبضها أبدا فتبقى لك العلاوة والفودان⁣(⁣٣). فرقّ له وترك عطاءه على حاله، فمات ولم يقبضه.

  خبر جوده وإعانة الوليد له على جوده

  وقال عمر بن شبّة في خبره الذي ذكره عن عبد اللَّه بن محمد بن حكيم. وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد اللَّه بن مسلم قالا:

  كان لبيد من جوداء العرب⁣(⁣٤)، وكان قد آلى في الجاهلية أن لا تهبّ صبا إلَّا أطعم، وكان له جفنتان يغدو بهما ويروح في كلّ يوم على مسجد قومه فيطعمهم، فهبّت الصبا يوما والوليد بن عقبة على الكوفة، فصعد الوليد المنبر فخطب الناس ثم قال: إنّ أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية ألا تهبّ صبا إلَّا أطعم، وهذا يوم من أيامه، وقد هبّت صبا فأعينوه، وأنا أوّل من فعل. ثم نزل عن المنبر فأرسل إليه بمائة بكرة، وكتب إليه بأبيات قالها:

  أرى الجزّار يشحذ شفرتيه ... إذا هبّت رياح أبي عقيل

  / أشمّ الأنف أصيد عامريّ ... طويل الباع كالسّيف الصّقيل

  وفي ابن الجعفريّ بحلفتيه ... على العلَّات والمال القليل⁣(⁣٥)

  بنحر الكوم إذ سحبت عليه ... ذيول صبا تجاوب بالأصيل


(١) هذه الكلمة من ها، ف.

(٢) هذا الصواب من مب، ها، ف. وسائر النسخ: «فأعدني اسمها». وفي أ: «فأعد في اسمها».

(٣) في «معظم الأصول»: «العودان» صوابه من مب، ها، ف و «الشعر والشعراء» ٣٣٣ و «الخزانة». والفود في الأصل: العدل من الأعدال. والعلاوة: ما يكون بين العدلين من خشبة ونحوها. وانظر الخبر برواية أخرى في «المعمرين» ٦١.

(٤) الجوداء: جمع جواد. ما عدا في، ها، ف: «أجود العرب».

(٥) على العلات: على أكمل حال في عسره ويسره.