كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار زياد الأعجم ونسبه

صفحة 263 - الجزء 15

  كنت جالسا عند المهلَّب إذ أقبل رجل طويل مضطرب، فلما رآه المهلَّب قال: اللهمّ إني أعوذ بك من شرّه! فجاء فقال: أصلح اللَّه الأمير، أني قد مدحتك ببيت صفده مائة ألف درهم⁣(⁣١). فسكت المهلَّب، فأعاد القول فقال له: أنشده. فأنشده:

  فتى زاده السّلطان في الخير رغبة ... إذا غيّر السّلطان كلّ خليل

  فقال له المهلَّب: يا أبا أمامة، مائة ألف؟! فو اللَّه ما هي عندنا ولكن ثلاثون ألفا فيها عروض. وأمر له بها، فإذا هو زياد الأعجم.

  هجاؤه للفرزدق وفزع الفرزدق منه

  أخبرني عمي قال: حدثني الكراني وأبو العيناء عن القحذميّ قال:

  لقي الفرزدق زيادا الأعجم فقال له الفرزدق: لقد هممت أن أهجو عبد القيس، وأصف من فسوهم شيئا. قال له زياد: كما أنت حتّى أسمعك شيئا. ثم قال: قل إن شئت أو أمسك. قال: هات. قال:

  وما ترك الهاجون لي إن هجوته ... مصحّا أراه في أديم الفرزدق

  فإنّا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق

  فقال له الفرزدق: حسبك هلمّ نتتارك⁣(⁣٢). قال: ذاك إليك. وما عاوده بشيء.

  وأخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا العتبي عن العباس بن هشام عن أبيه قال: حدثني خراش⁣(⁣٣)، وكان عالما راوية لأبي، ولمؤرّج⁣(⁣٤)، ولجابر بن كلثوم، قال:

  أقبل الفرزدق وزياد ينشد الناس في المربد وقد اجتمعوا حوله، فقال: من هذا؟ قيل: الأعجم. فأقبل نحوه / فقيل له: هذا الفرزدق قد أقبل عليك. فقام فتلقّاه وحيّا كلّ واحد منهما صاحبه، فقال له الفرزدق: ما زالت تنازعني نفسي إلى هجاء عبد القيس منذ دهر. قال زياد: وما يدعوك إلى ذلك؟ قال: لأنّي رأيت الأشقريّ هجاكم فلم يصنع شيئا، وأنا أشعر منه، وقد عرفت الذي هيّج بينك وبينه. قال: وما هو؟ قال إنّكم اجتمعتم في قبّة عبد اللَّه بن الحشرج بخراسان، فقلت له قد قلت شيئا فمن قال مثله فهو أشعر منّي، ومن لم يقل مثله ومدّ إليّ عنقه فإنّي أشعر منه. فقال لك: وما قلت؟ فقلت: قلت:

  /

  وقافية حذّاء بتّ أحوكها ... إذا ما سهيل في السّماء تلالا⁣(⁣٥)

  قال لك الأشقريّ:

  وأقلف صلَّى بعد ما ناك أمّه ... يرى ذاك في دين المجوس حلالا


(١) الصفد: العطاء.

(٢) ما عدا ح، مب، ها، ف: «نتشارك»، تحريف. والمراد بالمتاركة المهادنة.

(٣) أ: «خداش».

(٤) بالراء المشدّدة المكسورة، وهو أبو فيد عمرو بن الحارث السدوسي، قال في «القاموس»: سمي بذلك لتأريجه الحرب بين بكر وتغلب. والتأريج: الإغراء.

(٥) قصيدة حذاء: سائرة لا عيب فيها ولا يتعلق بها شيء من القصائد لجودتها.