أخبار شارية
  وقد كان الشهود بعد منصرفهم من عند إبراهيم صاروا إلى ابن أبي دواد. فشم منهم من رائحة الطيب ما أنكره، فسألهم عنه، فأعلموه أنهم حضروا عتق شارية، وتزوّج إبراهيم إياها. فركب إلى المعتصم، فحدّثه بالحديث معجّبا له منه. فقال: ضلّ سعي عبد الوهاب. ودخل عبد الوهاب على المعتصم، فلما رآه يمشي في صحن الدار، سدّ المعتصم أنف نفسه، وقال: يا عبد الوهاب، أنا أشم رائحة صوف محرق، وأحسب أن عمي لم يقنعه ردّك إلا وعلى أذنك صوفة حتى أحرقها، فشممت رائحتها منك. فقال: الأمر على ما ظنّ أمير المؤمنين وأقبح.
  ولما انصرف عبد الوهاب من عند إبراهيم، ابتاع إبراهيم منه بنته ميمونة شارية، بعشرة آلاف درهم، وستر ذلك عنها، فكان عتقه إياها وهي في ملك غيره، ثم ابتاعها من ميمونة، فحل له فرجها، فكان يطؤها على أنها أمته، وهي تتوهم أنه يطؤها على أنها حرة. فلما توفي طلبت مشاركة أم محمد بنت خالد زوجته في الثّمن، فأظهرت خبرها. وسئلت ميمونة وهبة اللَّه عن الخبر، فأخبرا به المعتصم. فأمر المعتصم بابتياعها من ميمونة، فابتيعت بخمسة آلاف وخمسمائة دينار، فحوّلت إلى داره، فكانت في ملكه حتى توفّي.
  قال ابن المعتز: وقد قيل إن المعتصم ابتاعها بثلاثمائة ألف درهم.
  قال: وكان منصور بن محمد بن واضح يزعم أن إبراهيم اقترض ثمن شارية من ابنته، وملكها إبراهيم ولها سبع سنين، فرباها تربية الولد، حتى لقد ذكرت / أنها كانت في حجره جالسة، وقد أعجب بصوت أخذته منه، إذ طمثت أوّل طمثها، فأحس بذلك، فدعا قيّمة له، فأمرها بأن تأتيه بثوب خام، فلفه عليها، فقال: احمليها، فقد اقشعرّت، وأحسب برد الحشّ قد آذاها(١).
  حسن وجهها وغنائها
  قال: وحدّثت شارية أنها كانت معه في حراقة قد توسط بها دجلة، في ليلة مقمرة، وهي تغني إذ اندفعت فغنت:
  لقد حثوا الجمال ليه ... ربوا منا فلم يئلوا
  فقام إليها، فأمسك فاها، وقال: أنت واللَّه أحسن من الغريض وجها وغناء، فما يؤمنني عليك؟ أمسكي.
  قال: وحدّث حمدون بن إسماعيل: أنه دخل على إبراهيم يوما، فقال له: أتحب أن أسمعك شيئا لم تسمعه قط؟ قال: نعم. فقال: هاتوا شارية، فخرجت، فأمرها أن تغني لحن إسحاق:
  هل بالديار التي حيّيتها أحد؟
  قال حمدون: فغنتني شيئا لم أسمع مثله قّط، فقلت: لا واللَّه يا سيدي ما سمعت هكذا. فقال: أتحب أن تسمعه أحسن من هذا؟ فقلت: لا يكون. فقال: بلى واللَّه تقر بذاك. فقلت: على اسم اللَّه. فغناه هو، فرأيت فضلا عجيبا. فقلت: ما ظننت أن هذا يفضل ذاك هذا الفضل. قال: أفتحب أن تسمعه أحسن من هذا وذاك؟ فقلت: هذا الذي لا يكون. فقال: بلى واللَّه. فقلت: فهات. قال: بحياتي يا شارية، قوليه وأحيلى(٢) حلقك فيه. فسمعت واللَّه فضلا / بينا، فأكثرت التعجب. فقال لي: يا أبا جعفر، ما أهون هذا على السامع! تدري باللَّه كم مرّة رددت عليها
(١) الحش: البستان. وفي بعض النسخ: الخيش.
(٢) كذا في ف، س. ومعناه: حوّلي حلقك في أثناء الغناء من حال إلى حال، ارتفاعا وانخفاضا. وفي أ: وأحلى. وفي ج: واجيلى.