كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه

صفحة 323 - الجزء 16

  رأيه، فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدّق بمحمد . فقال رسول اللَّه : أما إسلامك فنقبله⁣(⁣١)، ولا نأخذ من أموالهم شيئا، ولا نخمسها⁣(⁣١)، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه. فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: يا رسول اللَّه، إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة. قال: فإن الإسلام⁣(⁣٢) / يجبّ ما كان قبله. وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا. فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف، فتداعو للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.

  قال المغيرة: وأقمت مع النبيّ حتى اعتمر عمرة الحديبية، في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أوّل سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر، وألزم النبيّ فيمن يلزم.

  وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبيّ ، فأتاه يكلمه، وجعل يمس لحية رسول اللَّه وأنا قائم على رأسه، مقنّع في الحديد. فقلت لعروة، وهو يمس لحية رسول اللَّه : اكفف يدك قبل ألا تصل إليك.

  فقال عروة: يا محمد، من هذا؟ ما أفظَّه وأغلظه! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. فقال عروة: يا عدوّ اللَّه، ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس، يا غدر.

  أول ما عرف من دهائه

  أخبرني محمد بن خلف، قال: حدّثني أحمد⁣(⁣٣) بن الهيثم الفراسي، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: قال المغيرة بن شعبة:

  أوّل ما عرفني به العرب من الحزم⁣(⁣٤) والدهاء، أني كنت في ركب من قومي، في طريق لنا إلى الحيرة. فقالوا لي: قد اشتهينا الخمر، وما معنا إلا درهم زائف. فقلت: هاتوه وهلمّوا زقّين. فقالوا: وما يكفيك لدرهم زائف زق واحد؟ فقلت: أعطوني ما طلبت وخلاكم ذم، ففعلوا وهم يهزؤن بي. فصببت في أحد الزقين شيئا من ماء، ثم جئت إلى خمار، فقلت له: كل لي ملء هذا الزق. فملأه. فأخرجت الدرهم الزائف، فأعطيته إياه، فقال لي: ما هذا؟ ويحك! أمجنون أنت؟ فقلت: مالك؟ قال: إن ثمن هذا الزق عشرون درهما جيادا، وهذا درهم زائف.

  فقلت: أنا رجل بدويّ، وظننت أن هذا يصلح كما ترى، فإن صلح، وإلا فخذ شرابك. فاكتال مني ما كاله، وبقي في زقي من الشراب بقدر ما كان فيه من الماء، فأفرغته في الزق الآخر، وحملتهما على ظهري، وخرجت، وصببت في الزق الأوّل ماء.

  ودخلت إلى خمار آخر، فقلت: إني أريد ملء هذا الزق خمرا، فانظر إلى ما معي منه، فإن كان عندك مثله فأعطني. فنظر إليه، وإنما أردت ألا يستريب بي إذا رددت الخمر عليه. فلما رآه قال: عندي أجود منه. قلت:

  هات. فأخرج لي شرابا، فاكتلته في الزق الذي فيه الماء. ثم دفعت إليه الدرهم الزائف، فقال لي مثل قول صاحبه.


(١ - ١) ف: فقبلته ... ولا أخمسه.

(٢) إلى هنا ينتهي الساقط من بعض النسخ.

(٣) ج: محمد.

(٤) ج، ف، مب: بالحزم.