أخبار محمد بن بشير الخارجي ونسبه
  خرج محمد وسليمان ابنا عبيد اللَّه بن الحصين الأسلميان، حتى أتيا امرأة من الأنصار، من بني ساعدة، فبرزت لهما، وتحدثا عندها، وقالا لها: هل لك في صاحب لنا ظريف شاعر؟ فقالت: من هو؟ قالا: محمد بن بشير الخارجي. قالت: لا حاجة بي إلى لقائه، ولا تجيئاني به معكما، فإنكما إن أتيتما به لم آذن لكما(١). فجاءا به معهما، وأخبراه بما قالت لهما، وأجلساه في بعض الطريق، وتقدما إليها، فخرجت إليهما، وجاءهما الخارجيّ بعد خروجها إليهما، فرحبا به، وسلما عليه، فقالت لهما: من هذا؟ قالا: هذا الخارجيّ الذي كنا نخبرك عنه. فقالت:
  واللَّه ما أرى فيه من خير، وما أشبهه إلا بعبدنا أبي الجون. فاستحيا الخارجيّ، وجلس هنيهة، ثم قام من عندها، وعلقها قلبه، فقال فيها:
  /
  ألا قد رابني ويريب غيري ... عشية حكمها حيف مريب
  وأصبحت المودة عند ليلى ... منازل ليس لي فيها نصيب
  ذهبت وقد بدا لي ذاك منها ... لأهجوها فيغلبني النسيب
  وأنسى غيظ نفسي إن قلبي ... لمن واددت فيئته قريب
  فلا قلب مصرّ كل ذنب ... ولا راض بغير رضا، غضوب(٢)
  فدعها لست صاحبها وراجع ... حديثك إن شأنكما عجيب(٣)
  تعيره زوجته بقول الأنصارية له فيتغزل فيها
  قال: وبلغ الأشجعية زوجة محمد بن بشير ما قالته له الأنصارية، فعيرته بذلك، وكانت(٤) إذا أرادت غيظه كنته(٤) أبا الجون، فقال في ذلك:
  وأيدي الهدايا ما رأيت معاتبا ... من الناس إلا الساعدية أجمل
  / وقد أخطأتني يوم بطحاء منعم(٥) ... لها كفف يصطاد فيها وأحبل
  وقد قال أهلي خير كسب كسبته ... أبو الجون(٦) فاكسب مثلها حين ترحل
  فإن بات إيضاعي بأمر مسرة ... لكن فما تسخطن في العيش أطول
  نهاه رجل عن حديث النساء وهو محرم فقال شعرا
  أخبرني الحسن، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
  اجتمع محمد بن بشير الخارجيّ وسائب بن ذكوان راوية كثيّر بمكة، فوافقا نسوة من بني غفار يتحدّثن، فجلسا إليهن، وتحدثنا معهن حتى تفرقن، وبقيت / واحدة منهن تحدّث الخارجيّ، وتستنشده شعره حتى أصبحوا؛
(١) ف، مب: لم أبرز.
(٢) البيت عن ف، مب. يريد أن قلبه ليس قلبا غضوبا يحمل الحقد، ولا يرضى بما لا يرضي.
(٣) صاحبها: كذا في ف. وفي سائر الأصول: هاجيها.
(٤ - ٤) ف: وكانت تغيظه بأن تلقبه. وفي مب: وكانت تغيظه بأن تكنيه.
(٥) مب: بطحاء معمر.
(٦) ف، مب: حين كنيت كنية أبا الجون.