كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن بشير الخارجي ونسبه

صفحة 348 - الجزء 16

  غنى في هذه الأبيات الدارميّ خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي؛ وفيه لعريب خفيف ثقيل مطلق، وهو الذي يغني الآن، ويتعارفه الناس.

  يرثي أبا عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة

  أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش السعديّ، قال:

  كان الخارجيّ منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة، وكان يكفيه مؤونته، ويفضل عليه، ويعطيه في كل سنة ما يكفيه ويغنيه، ويغني قومه وعياله، من البرّ والتمر والكسوة في الشتاء والصيف، ويقطعه القطعة بعد القطعة من إبله وغنمه، وكان منقطعا إليه وإلى زيد بن الحسن، وابنه الحسن بن زيد، وكلهم به برّ، وإليه محسن. فمات أبو عبيدة، وكان ينزل الفرش من ملل، وكان الخارجي ينزل الروحاء، فقال يرثيه:

  ألا أيها الناعي ابن زينب غدوة ... نعيت الندى دارت عليه⁣(⁣١) الدوائر

  لعمري لقد أمسى قرى الضيف عاتما⁣(⁣٢) ... بذي الفرش لما غيبتك المقابر

  / إذا سوفوا نادوا صداك ودونه ... صفيح وخوّار من الترب مائر

  ينادون من أمسى تقطَّع دونه ... من البعد أنفاس الصدور الزوافر

  فقومي اضربي عينيك يا هند لن ترى ... أبا مثله تسمو إليه المفاخر

  قال الزبير: فحدّثني سليمان بن عياش، قال:

  كانت هند بنت أبي عبيدة عند عبد اللَّه بن حسن بن حسن، فلما مات أبوها جزعت عليه جزعا شديدا، ووجدت وجدا عظيما، فكلم عبد اللَّه بن الحسن محمد بن بشير الخارجيّ أن يدخل إليها، فيعزيها ويسليها⁣(⁣٣) عن أبيها، فدخل إليها معه. فلما نظر إليها صاح بأعلى صوته:

  قومي اضربي عينيك يا هند لن تري ... أبا مثله تسمو إليه المفاخر

  وكنت إذا فاخرت أسميت والدا ... يزين كما زان اليدين الأساور

  فإن تعوليه يشف يوما عويله ... غليلك أو يعذرك بالنوح عاذر

  وتحزنك ليلات طوال وقد مضت ... بذي الفرش ليلات تسر قصائر

  فلقاه رب يغفر الذنب رحمة ... إذا بليت يوم الحساب السرائر

  إذا ما ابن زاد الركب⁣(⁣٤) لم يمس ليلة ... قفا صفر لم يقرب الفرش زائر

  لقد علم الأقوام أن بناته ... صوادق إذ يندبنه وقواصر


(١) عليه: كذا في ف. وفي سائر الأصول: عليك.

(٢) عاتما: بطيئا مؤخرا. وانظر بعض هذه الأبيات في «معجم ما استعجم» للبكري في رسم (ملل).

(٣) ف، مب: ويؤسيها. والأبيات التالية متصلة بسابقتها.

(٤) زاد الركب هنا زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جد أبي عبيدة. وأزواد الركب: لقب ثلاثة من قريش: مسافر بن أبي عمرو، وأبو أمية بن المغيرة، وزمعة هذا، لقبوهم بذلك لأنهم لم يكن يتزود معهم أحد في سفر: يطعمونه ويكفونه الزاد ويغنونه. وصفر: جبل أحمر كريم المغرس بالفرش. والفرش: موضع بين المدينة وملل، يقال له فرش ملل. والبيت ساقط من الأصول ما عدا ف، مب.