أخبار الحسين بن علي ونسبه
  الركوب إلا في مسايرة خليفة أو أمير أو يوم زينة؛ وله سرج يصونه، لا يركب به غير ذلك الفرس. وكان معه طيب لا يتطيب به إلا في مثل ذلك اليوم الذي يركب فيه؛ وحلَّة موشية يصونها عن اللَّبس إلا في يوم يريد التجمّل / فيه بها.
  فحج مع سليمان، وكانت له عنده حوائج كثير، فقضاها ووصله، وأجزل صلته. وانصرف سليمان من حجّه، ولم يسلك طريق المدينة. وانصرف بن عثمان يريد المدينة، فنزل على ماء لبني عامر بن صعصة. ودعا أشعب، فأحضره وصرّ صرّة فيها أربعمائة دينار، وأعلمه أنه ليس بينه وبين العرج إلا أميال؛ وأنه إن أذن له في المسير إليها، والمبيت بها عند جواريه، غلَّس إليه، فوافى وقت ارتحال الناس، ووهب له أربعمائة الدينار. فقبل يده ورجله، وأذن له في السير إلى حيث أحب، وحلف له أنه يحلف لسكينة بالأيمان المحرجة، أنه ما سار إلى العرج، ولا اتخذ جارية منذ فارق سكينة إلى أن رجع إليها. فدفع إليه مولاه الدنانير ومضى.
  / قال أبو إسحاق: قال ابن أشعب: حدّثني أبي أنه لا يتوهم أن مولاه سار نصف ميل حتى رأى في الماء الذي كان عليه رحل زيد جاريتين عليهما قربتان. فألقتا القربتين، وألقتا ثيابهما عنهما، ورمتا بأنفسهما في الغدير، وعامتا فيه، ورأى من مجرّدهما ما أعجبه واستحسنه. فسألهما عند خروجهما من الماء عن نسبهما. فأعلمتاه أنهما من إماء نسوة خلوف، لبني عامر بن صعصعة، هن بالقرب من ذلك الغدير. فسألهما: هل سبيل إلى مولياتهما، لمحادثة شيخ حسن الخلق، طيب العشرة، كثير النوادر؟ فقالتا: وأنى لهن بمن هذه صفته؟ فقال لهما: أنا ذاك. فقالتا:
  انطلق معنا. فوثب إلى فرس زيد، فأسرجه بسرجه الذي كان يسرجه به ويركبه، ودعا بحلته التي كان يضن بها فلبسها، وأحضر السّفط الذي كان فيه طيبه، فتطيب منه، وركب الفرس، ومضى معهما حتى وافى الحيّ، فأقام في محادثة أهله إلى قرب وقت صلاة العصر. فأقبل في ذلك الوقت رجال الحيّ، وقد انصرفوا غانمين من غزاتهم، وأقبلت تمر به الرّعلة بعد الرّعلة، فيقفون به فيقولون: ممن الرجل؟ فينتسب في نسب زيد، فيقول كل من اجتاز به:
  ما نرى به بأسا. وينصرفون عنه. إلى قرب غروب الشمس، فأقبل شيخ فان على حجر هرمة هزيل، ففعل مثل ما كان يفعل من اجتاز، فسأله مثلما يسألون عنه، فأخبره بمثل ما كان يخبر من تقدمه، فقال مثل قولهم.
  قال ابن أشعب: قال أبي: ثم رأيت الشيخ قد وقف بعد قوله، فأوجست منه خيفة، لأني رأيته قد جعل يده اليسرى تحت حاجبيه، فرفعهما، ثم استدار ليرى وجهي. فركبت الفرس، فما استويت عليه حتى سمعته يقول:
  أقسم باللَّه ما هذا قرشيّ، وما هذا إلا وجه عبد. فركضت وركض خلفي، فرأى حجره / مقصرة(١). فلما يئس من اللحاق بي، انتزع سهما فرماني به، فوقع في مؤخرة السرج، فكسرها. ودخلتني من صوته روعة(٢) أحدثت لها في الحلة. ووافيت رحل مولاي، فغسلت الحلَّة ونشرتها، فلم تجف ليلا. وغلَّس مولاي من العرج، فوافاني في وقت الرحيل، فرأى الحلة منشورة، ومؤخرة السرج مكسورة، والفرس قد أضر بها الركض، وسفط الطيب مكسور الختم(٣). فسألني عن السبب، فصدقته. فقال لي: ويحك! أما كفاك ما صنعت بي حتى انتسبت في نسبي، فجعلتني(٤) عند أشراف قومي من العرب جمّاشا(٤)، وسكت عني، فلم يقل لي: أحسنت ولا أسأت حتى وافينا
(١) كذا في ف، مب. وفي الأصول: فركضت فرسي وهو يقول: من أنت؟ واتبعني.
(٢) كذا في ف، مب. وفي الأصول: ودخلتني روعة من ضربته أحدثت لها.
(٣) كذا في ف. وفي الأصول: مفضوض الخاتم. وفي مب: مكسورا مفضوض الخاتم.
(٤ - ٤) العبارة عن ف، مب. والجماش: الذي يغازل النساء ويلاعبهن.