كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحسين بن علي ونسبه

صفحة 373 - الجزء 16

  فرفع الحدقة عنه، حتى جعلها ناحية، ثم سل عروق السلعة من تحتها. فأخرجها أجمع، ورد العين إلى موضعها، وعالجها وسكينة مضطجعة لا تتحرك ولا تئن، حتى فرغ مما أراد، فزال ذلك عنها، وبرئت منها، وبقي أثر تلك الجراحة في مؤخر عينها، فكان أحسن شيء في وجهها، وكان أحسن على وجهها من كل حلي وزينة، ولم يؤثر ذلك في نظرها، ولا في عينها.

  نقدها شعر جماعة من الشعراء ثم إجازتهم

  أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرني عيسى بن إسماعيل، عن محمد بن سلام، عن جرير المديني، عن المدائني. وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن محمد بن سلام. وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن عمر بن شبة موقوفا عليه، قالوا:

  اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين #، جرير والفرزدق وكثيّر وجميل ونصيب، فمكثوا أياما، ثم أذنت لهم، فدخلوا عليها، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها، وتسمع كلامهم، ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث، فقالت: أيكم الفرزدق؟ فقال لها: هأنذا. فقالت: أنت القائل:

  هما دلَّتاني من ثمانين قامة ... كما انحط باز أقتم الريش كاسره

  فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يرجّى أم قتيل نحاذره

  فقلت ارفعوا الأمراس لا يشعروا بنا ... وأقبلت في أعجاز ليل أبادره

  أبادر بوابين قد وكَّلا بنا ... وأحمر⁣(⁣١) من ساج تبصّ مسامره

  قال: نعم. قالت: فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك؟ هلَّا سترتها وسترت نفسك⁣(⁣٢)؟ خذ هذه الألف، والحق بأهلك.

  ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: أيكم جرير؟ فقال لها: هأنذا. فقالت: أنت القائل:

  طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام

  تجرى السواك على أغرّ كأنه ... برد تحدر من متون غمام

  / لو كان عهدك كالذي حدثتنا ... لو صلت ذاك فكان غير رمام⁣(⁣٣)

  إني أواصل من أردت وصاله ... بحبال لا صلف ولا لوّام

  قال: نعم. قالت: أفلا أخذت بيدها، ورحبت بها، وقلت لها ما يقال لمثلها؟ أنت عفيف وفيك ضعف. خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: أيكم كثيّر؟ فقال: هأنذا. فقالت: أنت القائل:

  وأعجبني يا عزّ منك خلائق ... كرام إذا عدّ الخلائق أربع


(١) مب: وأسمر. وفي «الديوان» (١: ٢٥٥ - ٢٦٢) خلاف في ترتيب الأبيات وبعض الكلم.

(٢) كذا في ف. وفي بقية الأصول: هلا سترت عليك وعليها.

(٣) رمام: كذا في ف، مب. يريد المتقطع. وفي بقية الأصول: لمام.