كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المهاجر بن خالد ونسبه، وأخبار ابنه خالد

صفحة 397 - الجزء 16

  سليمان. فتبسم عمر، فعلم خالد أن علقمة قد غلط، وفطن علقمة، فقال له: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، فاعف عني، عف اللَّه عنك. فضحك عمر وأخبره الخبر.

  أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن الحارث الخرّاز قال: حدّثنا / المدائني، عن شيخ من أهل الحجاز، عن زيد بن رافع مولى المهاجر بن خالد بن الوليد، وعن أبي ذئب⁣(⁣١)، عن أبي سهيل أو ابن سهيل:

  دس معاوية لعبد الرّحمن بن خالد من يقتله

  أن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد، قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ورق جلده، ودق عظمه، واقترب أجله، ويريد أن يستخلف عليكم، فمن ترون؟ فقالوا: عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد. فسكت وأضمرها، ودس ابن أثال الطبيب إليه، فسقاه سمّا فمات. وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة، وكان أسوأ الناس رأيا في عمّه، لأن أباه المهاجر كان مع عليّ # بصفّين، وكان عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية، وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه: هاشميّ المذهب، ودخل مع بني هاشم الشّعب، فاضطغن ذلك ابن الزّبير عليه، فألقى عليه زق خمر، وصبّ بعضه على رأسه، وشنّع عليه بأنه وجده ثملا من الخمر، فضربه الحدّ. فلما قتل عمه عبد الرّحمن مرّ به / عروة بن الزبير، فقال له: يا خالد: أتدع ابن أثال ينقي⁣(⁣٢) أوصال عمك بالشأم وأنت بمكة مسبل إزارك، تجره وتخطر فيه متخايلا؟ فحمي خالد، ودعا مولى له يدعى نافعا، فأعلمه الخبر، وقال له: لا بد من قتل ابن أثال؛ وكان نافع جلدا شهما.

  فخرجا حتى قدما دمشق، وكان ابن أثان يمسي عند معاوية، فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة، وجلس غلامه إلى أخرى، حتى خرج. فقال خالد لنافع: إياك أن تعرض له أنت، فإني أضربه، ولكن احفظ ظهري، واكفني من ورائي، فإن رابك شيء يريدني من ورائي فشأنك. فلما حاذاه وثب عليه فقتله، وثار إليه من كان معه. فصاح بهم نافع فانفرجوا، ومضى خالد ونافع، وتبعهما من كان معه، فلما غشوهما حملا عليهم، فتفرقوا، حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيقا، ففاتا القوم. وبلغ معاوية الخبر، فقال: هذا خالد بن المهاجر، اقلبوا الزّقاق الذي دخل فيه. ففتّش عليه، فأتي به. فقال: لا جزاك اللَّه من زائر خيرا، قتلت طبيبي. قال: قتلت المأمور وبقي الآمر. فقال له: عليك لعنة اللَّه! أما واللَّه لو كان تشهّد مرة واحد لقتلتك به، أمعك نافع؟ قال: لا. قال: بلى واللَّه ما اجترأت إلا به. ثم أمر بطلبه فوجد، فأتي به، فضربه مئة سوط. ولم يهج خالدا بشيء أكثر من أن حبسه، وألزم بني مخزوم دية ابن أثال، اثني عشر ألف درهم. أدخل بيت المال منها ستة آلاف درهم، وأخذ ستة آلاف درهم، ولم يزل ذلك يجري في دية المعاهد، حتى ولي عمر بن عبد العزيز، فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه، وأثبت الذي يدخل بيت المال.

  وخالد بن المهاجر الذي يقول:


(١) كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: سليمان بن أبي ذئب.

(٢) ينقي: أي يستخرج المخ من العظام. يريد أن يعبث بأعضاء الزبير بعد قتله إياه، لأنه لا يعبأ بأحد من أهله. والكلمة في ف غير واضحة تماما، وقد تقرأ: يفني، أو يقي، ولا معنى لهما هنا. وانظر الكلمة مرة ثانية في صفحة (٢٠٠ سطر ٢).