كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حمزة بن بيض ونسبه

صفحة 402 - الجزء 16

  يشعث صبياننا وما يتموا ... وأنت صافي الأديم والحدقه

  فليت صبياننا إذا يتموا ... يلقون ما قد لقيت يا صدقه

  / عوّضك اللَّه من أبيك ومن ... أمك في الشام بالعراق مقه

  كفاك عبد الرّحمن فقدهما⁣(⁣١) ... فأنت في كسوة وفي نفقه

  تظل في درمك⁣(⁣٢) وفاكهة ... ولحم طير ما شئت أو مرقه

  تأوي إلى حاضن وحاضنة ... زادا على والديك في الشفقة

  فكل هنيئا ما عاش ثم إذا ... مات فلغ في الدماء والسرقة

  وخالف المسلمين قبلتهم ... وضلّ عنهم وخادن الفسقه

  واشتر نهد التليل ذا خصل ... لصوته في الصهيل صهصلقه⁣(⁣٣)

  واقطع عليه الطريق تلف غدا ... ربّ دنانير جمة ورقه⁣(⁣٤)

  فلما مات عبد الرّحمن، أصابه ما قال ابن بيض أجمع: من الفساد والسرقة وصحبة اللصوص، ثم كان آخر ذلك أنه قطع الطريق، فأخذ وصلب.

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار قال: حدّثني النوفليّ عن أبيه. قال ابن عمار: وأخبرني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، قال: حدّثني أبي عن أبي سفيان الحميريّ قال:

  نبوءة أخرى

  خرج حمزة بن بيض يريد سفرا، فاضطره الليل إلى قرية عامرة، كثيرة الأهل والمواشي، من الشاء والبقر، كثيرة الزرع، فلم يصنعوا به خيرا، فغدا عليهم، وقال:

  لعن الإله قرية يممتها ... فأضافني ليلا إليها المغرب

  الزارعين وليس لي زرع بها ... والحالبين وليس لي ما أحلب

  / فلعل ذاك الزرع يودي أهله ... ولعل ذاك الشاء يوما يجرب

  ولعل طاعونا يصيب علوجها ... ويصيب ساكنها الزمان فتخرب

  / قال: فلم يمر بتلك القرية سنة حتى أصابهم الطاعون، فأباد أهلها، وخربت إلى اليوم. فمر بهم ابن بيض، فقال:

  كلَّا، زعمت أني لا أعطى منيتي. قالوا: وأبيك لقد أعطيتها، فلو كنت تمنيت الجنة كان خيرا لك. قال: أنا أعلم بنفسي، لا أتمنى ما لست له بأهل، ولكني أرجو رحمة ربي ø.


(١) كذا في ف، مب. وفي الأصول: همهما.

(٢) الدرمك: الدقيق الأبيض.

(٣) النهد: المرتفع. والتليل: العنق. والصهصلقة: شدة الصوت.

(٤) الرقة: الدراهم المضروبة.