أخبار حمزة بن بيض ونسبه
  قال: فوجم حمزة وقطع به. فقيل له: ويلك! مالك لا تجيبه؟ قال: وبم أجيبه؟ واللَّه لو قلت له: عبد المطلب بن هاشم أبو بيض ما نفعني ذلك، بعد قوله: ولكن من أبو بيض؟
  / وأخبرني بهذا الخبر ابن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة بمثله. وقال فيه: إن المخاصم له أبو الحويرث السّحيمي.
  يمدح يزيد بن المهلب في السجن فيكافئه
  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، قال:
  دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب السجن، فأنشده:
  أغلق دون السماح والجود والنن ... جدة باب حديده أشب
  ابن ثلاث وأربعين مضت ... لا ضرع واهن ولا نكب(١)
  لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب
  برّزت سبق الجواد في مهل ... وقصّرت دون سعيك العرب
  فقال: واللَّه يا حمزة لقد أسأت، إذ نوّهت باسمي في غير وقت تنويه، ولا منزل(٢) لك، ثم رفع مقعدا تحته، فرمى إليه بخرقة مصرورة، وعليه صاحب خبر واقف، فقال: خذ هذا الدينار، فو اللَّه ما أملك ذهبا غيره. فأخذه حمزة، وأراد أن يردّه، فقال له سرا: خذه ولا تخدع عنه. فقال حمزة: فلما قال لي: لا تخدع عنه، قلت: واللَّه ما هذا بدينار، فقال لي صاحب الخبر: ما أعطاك يزيد؟ فقلت: أعطاني دينارا، فأردت أن أردّه عليه، فاستحييت منه. فلما صرت إلى منزلي حللت الصرة، فإذا فص ياقوت أحمر، كأنه سقط زند، فقلت: واللَّه لئن عرضت هذا بالعراق، ليعلمنّ أني أخذته من يزيد، فيؤخذ مني، فخرجت به إلى خراسان، فبعته من رجل يهودي بثلاثين ألفا، فلما / قبضت المال وصار الفص في يده، قال لي: / واللَّه لو أبيت إلا خمسين ألف درهم، لأخذته منك، فكأنما قذف في قلبي جمرة، فلما رأى تغير وجهي قال: إني رجل تاجر، ولست أشك أني قد غممتك. قلت: إي واللَّه وقتلتني. فأخرج إليّ مائة دينار، فقال: أنفق هذه في طريقك، لتتوفر عليك تلك.
  أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد بن إسحاق: قرأت على أبي:
  دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلَّب، وهو في حبس عمر بن عبد العزيز، فأنشده قوله فيه:
  أصبح في قيدك السماحة والح ... امل للمعضلات والحسب
  لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب
  فقال له: ويحك أتمدحني على هذه الحال؟ قال: نعم، لئن كنت هكذا لطالما أثبت على الثناء، فأحسنت الثواب والرّفد، فهل بأس أن نسلفك الآن. قال: أما إذ جعلته سلفا فاقنع بما حضر، إلى أن يمكن قضاء دينك. وأمر
(١) الضرع: بفتح الراء وكسرها: الضعيف الجبان. وفي ف: لا سرف. وفي مب: لا ورع. والنكب، بكسر الكاف: من يعدل عن الشيء كسلا أو جبنا.
(٢) ف، مب: ولا مترك لك.