كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حمزة بن بيض ونسبه

صفحة 405 - الجزء 16

  قال: فوجم حمزة وقطع به. فقيل له: ويلك! مالك لا تجيبه؟ قال: وبم أجيبه؟ واللَّه لو قلت له: عبد المطلب بن هاشم أبو بيض ما نفعني ذلك، بعد قوله: ولكن من أبو بيض؟

  / وأخبرني بهذا الخبر ابن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة بمثله. وقال فيه: إن المخاصم له أبو الحويرث السّحيمي.

  يمدح يزيد بن المهلب في السجن فيكافئه

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، قال:

  دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب السجن، فأنشده:

  أغلق دون السماح والجود والنن ... جدة باب حديده أشب

  ابن ثلاث وأربعين مضت ... لا ضرع واهن ولا نكب⁣(⁣١)

  لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب

  برّزت سبق الجواد في مهل ... وقصّرت دون سعيك العرب

  فقال: واللَّه يا حمزة لقد أسأت، إذ نوّهت باسمي في غير وقت تنويه، ولا منزل⁣(⁣٢) لك، ثم رفع مقعدا تحته، فرمى إليه بخرقة مصرورة، وعليه صاحب خبر واقف، فقال: خذ هذا الدينار، فو اللَّه ما أملك ذهبا غيره. فأخذه حمزة، وأراد أن يردّه، فقال له سرا: خذه ولا تخدع عنه. فقال حمزة: فلما قال لي: لا تخدع عنه، قلت: واللَّه ما هذا بدينار، فقال لي صاحب الخبر: ما أعطاك يزيد؟ فقلت: أعطاني دينارا، فأردت أن أردّه عليه، فاستحييت منه. فلما صرت إلى منزلي حللت الصرة، فإذا فص ياقوت أحمر، كأنه سقط زند، فقلت: واللَّه لئن عرضت هذا بالعراق، ليعلمنّ أني أخذته من يزيد، فيؤخذ مني، فخرجت به إلى خراسان، فبعته من رجل يهودي بثلاثين ألفا، فلما / قبضت المال وصار الفص في يده، قال لي: / واللَّه لو أبيت إلا خمسين ألف درهم، لأخذته منك، فكأنما قذف في قلبي جمرة، فلما رأى تغير وجهي قال: إني رجل تاجر، ولست أشك أني قد غممتك. قلت: إي واللَّه وقتلتني. فأخرج إليّ مائة دينار، فقال: أنفق هذه في طريقك، لتتوفر عليك تلك.

  أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد بن إسحاق: قرأت على أبي:

  دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلَّب، وهو في حبس عمر بن عبد العزيز، فأنشده قوله فيه:

  أصبح في قيدك السماحة والح ... امل للمعضلات والحسب

  لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب

  فقال له: ويحك أتمدحني على هذه الحال؟ قال: نعم، لئن كنت هكذا لطالما أثبت على الثناء، فأحسنت الثواب والرّفد، فهل بأس أن نسلفك الآن. قال: أما إذ جعلته سلفا فاقنع بما حضر، إلى أن يمكن قضاء دينك. وأمر


(١) الضرع: بفتح الراء وكسرها: الضعيف الجبان. وفي ف: لا سرف. وفي مب: لا ورع. والنكب، بكسر الكاف: من يعدل عن الشيء كسلا أو جبنا.

(٢) ف، مب: ولا مترك لك.