أخبار حمزة بن بيض ونسبه
  لي: بل أزيدك على ما أعطيت الكميت. فأمر لي بمئة ألف درهم، كما أعطي الكميت، وزادني عليه، وصنع بي في سائر الألطاف كما صنع به، فلما فرغت من حاجتي أتيته يوما ومعي تذكرة بحاجة القوم في الديات، فلما جلس أنشدته:
  أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحبا يجب المرحب
  ولا تكلنّا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا
  فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب
  وفي أدب منهم ما نشأت ... ونعم لعمرك ما أدّبوا
  بلغت لعشر مضت من سني ... - ك ما يبلغ السيد الأشيب
  فهمّك فيها جسام الأمور ... وهمّ لداتك أن يلعبوا
  فقال: مرحبا بك وبحاجتك، فما هي؟ فأخرجت إليه رقعة القوم، وقلت: حمالات في ديات. فتبسم، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم. فقلت: أو غير ذلك أيها الأمير؟ قال: وما هو؟ قلت: أدلّ على قبر المهلَّب، حتى أشكو إليه قطيعة ولده. فتبسم، ثم قال: زده يا غلام عشرة آلاف أخرى، فأبيت، وقلت: بل أدل على قبر المهلب، فقال: زده يا غلام عشرة آلاف أخرى، فما زلت أكررها ويزيدني عشرة آلاف، / حتى بلغت سبعين(١) ألفا. فخشيت واللَّه أن يكون يلعب أو يهز أبي، فقلت: وصلك اللَّه أيها الأمير، وآجرك، وأحسن جزاءك. فقال مخلد: أما واللَّه لو أقمت على كلامك، ثم أتى ذلك على خراج خراسان لأعطيتكه.
  مجلس المأمون والنضر بن شميل
  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني النضر بن شميل، قال:
  دخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو وعليّ أطمار مترعبلة(٢)؛ فقال لي: يا نضر، تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟ فقلت: إن حرّ مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. فقال: لا. ولكنك رجل متقشّف. فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حدّثني هشيم بن بشير(٣)، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز». هكذا قال: سداد بالفتح.
  فقلت: صدق، يا أمير المؤمنين. حدّثني عوف الأعرابيّ عن الحسن، أن النبي ﷺ قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها، كان فيه سداد من عوز»، وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا، وقال: السّداد لحن يا نضر عندك؟
  قلت: نعم هاهنا يا أمير المؤمنين؛ وإنما هشيم لحن، وكان لحانة، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السّداد: القصد في الدّين / والطريقة والسبيل. والسّداد: البلغة، وكل ما سددت به شيئا فهو سداد. وقد قال العرجيّ:
  أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
(١) كذا في ف، مب. وفي الأصول: تسعين.
(٢) ممزقة.
(٣) ف، مب: هشيم بن يسار. وانظره في «خلاصة» الخزرجي.