أخبار حمزة بن بيض ونسبه
  / قال: فأطرق المأمون مليّا، ثم قال: قبح اللَّه من لا أدب له! ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب. قال:
  قلت: قول حمزة بن بيض يا أمير المؤمنين:
  تقول لي والعيون هاجعة: ... أقم علينا يوما، فلم أقم
  قالت: فأيّ الوجوه؟ قلت لها: ... لأيّ وجه إلا إلى الحكم؟
  متى يقل حاجبا سرادقه: ... هذا ابن بيض بالباب، يبتسم
  قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... فهات إذ حلّ أعطني سلمي(١)
  فقال المأمون: للَّه درّك، كأنما شق لك عن قلبي! فأنشدني أنصف بيت للعرب. قال: قلت: قول أبي عروبة المدني(٢):
  إني وإن كان ابن عمي عاتبا(٣) ... لمزاحم من خلفه وورائه
  ومفيده نصري وإن كنت(٤) امرأ ... متزحزحا عن أرضه وسمائه
  وأكون والي سره وأصونه ... حتى يحين عليّ وقت أدائه
  وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه
  وإذا دعا باسمي ليركب مركبا ... صعبا قعدت له على سيسائه
  وإذا أتى من وجهه بطريفة ... لم أطَّلع ممّا(٥) ورراء خبائه
  وإذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل: ... يا ليت أن عليّ حسن ردائه
  فقال: أحسنت يا نضر؛ أنشدني الآن أقنع بيت قالته العرب. فأنشدته قول ابن عبدل الأسديّ:
  /
  إني امرؤ لم أزل، وذاك من الل ... - هـ قديما، أعلَّم الأدبا
  أقيم بالدار ما اطمأنت بي الدا ... ر وإن كنت مازحا طربا
  لا أجتوي خلَّة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئا إذا ذهبا
  أطلب ما يطلب الكريم من ... الرّزق بنفسي وأجمل الطلبا
  وأحلب الثرة الصفي ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا
  إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغَّبته في صنيعة رغبا
(١) أسلمت: أسلفت. يريد أنه قدم إليه مديحه ولم يأخذ جائزته. ومقتبلا: مستأنفا. وسلمى: سلفى، يري جائزتي. وفي الأصول:
هات أدخلن ذا وأعطني سلمى
(٢) كذا في ف و «معجم الأدباء» لياقوت «ترجمة النضر بن شميل». وفي مب: ابن أبي عروبة. وفي هامشها: المزني. وفي «طبقات النحويين» للزبيديّ ص ٥٧: «عروبة المدني». ونسبت هذه الأبيات في «الحماسة» إلى الهذيل بن مشجعة البولاني «شرح التبريزي» طبعة الأميرية ٤: ١٠٤.
(٣) ف، مب: غائبا.
(٤) كذا في ف، مب. وفي الأصول: وإن كان.
(٥) ف والأصول: فيما.