أخبار حمزة بن بيض ونسبه
  والعبد لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
  مثل الحمار الموقّع السّوء لا ... يحسن مشيا إلا إذا ضربا(١)
  قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد بعيس رحلا ولا قتبا(٢)
  ويحرم الرزق ذو المطية والر ... حل ومن لا يزال مغتربا
  ولم أجد عدّة الخلائق إلَّا ... الدّين لما اعتبرت والحسبا(٣)
  فقال: أحسنت يا نضر! وكتب لي إلى الحسن(٤) بن سهل بخمسين ألفا، وأمر خادما بإيصال رقعة، وتنجيز ما أمر به لي، فمضيت معه إليه، فلما قرأ التوقيع ضحك، وقال لي: يا نضر، أنت الملحّن / لأمير المؤمنين؟ قلت: لا، بل لهشيم. قال: فذاك إذن، وأطلق لي الخمسين ألف درهم، وأمر لي بثلاثين ألفا.
  عبد الملك بن بشر يعبث به
  أخبرني الحسين بن يحيى، قال: حدّثنا حماد عن أبيه، قال:
  بلغني أن حمزة بن بيض الحنفيّ كان يسامر عبد الملك بن بشر بن مروان، وكان / عبد الملك يعبث به عبثا شديدا، فوجه إليه ليلة برسول، وقال: خذه على أي حال وجدته عليها، ولا تدعه يغيرها، وحلَّفه على ذلك، وغلَّظ الأيمان عليه. فمضى الرسول، فهجم عليه، فوجده يريد أن يدخل الخلاء، فقال: أجب الأمير. فقال: ويحك، إني أكلت طعاما كثيرا، وشربت نبيذا حلوا، وقد أخذني بطني. قال: واللَّه لا تفارقني أو أمضي بك إليه، ولو سلحت في ثيابك. فجهد في الخلاص، فلم يقدر عليه، فمضى به إلى عبد الملك، فوجده قاعدا في طارمة(٥) له، وجارية جميلة كان يتحظاها جالسة بين يديه، تسجر الندّ في طارمته، فجلس يحادثه وهو يعالج ما هو فيه.
  قال: فعرضت لي ريح، فقلت: أسرحها وأستريح، فلعل ريحها لا يتبين مع هذا البخور، فأطلقتها، فغلبت واللَّه ريح الندّ وغمرته، فقال: ما هذا يا حمزة! قلت: عليّ عهد اللَّه وميثاقه، وعليّ المشي والهدي إن كنت فعلتها.
  وما هذا إلا عمل هذه الفاجرة. فغضب واحتفظ، وخجلت الجارية، فما قدرت على الكلام، ثم جاءتني أخرى فسّرحتها، وسطع واللَّه ريحها. فقال: ما هذا ويلك! أنت واللَّه الآفة. فقلت: امرأتي فلانة طالق ثلاثا إن كنت فعلتها. قال: وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها، وما هو إلا عمل هذه الجارية، فقال: ويلك ما قصتك؟ قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين حسّا، فزاد خجلها وأطرقت. وطمعت فيها، فسرّحت الثالثة، وسطع من ريحها ما لم يكن في الحساب، فغضب عبد الملك، حتى كاد يخرج من جلده، ثم قال: خذ يا حمزة بيد الزانية، فقد وهبتها لك، وامض فقد نغصت عليّ ليلتي.
  فأخذت واللَّه بيدها، وخرجت، فلقيني خادم له، فقال: ما تريد أن تصنع؟ قلت: أمضي بهذه. قال: لا
(١) الموقع: الذي في ظهره سحج، وقيل في أطراف عظامه، من الركوب؛ وربما انحص عنه الشعر، ونبت أبيض. وفي «اللسان»:
الموقع الظهر وفي الأصول: لا يحمل شيئا.
(٢) القتب: الرحل.
(٣) في الأصول عدا ف، مب: لما اختبرت.
(٤) في الأصول عدا ف، مب: الفضل.
(٥) الطارمة: بيت من خشب كالقبة، فارسي معرب، عن «تاج العروس».