كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حمزة بن بيض ونسبه

صفحة 410 - الجزء 16

  تفعل، فو اللَّه لئن فعلت ليبغضنك بغضا / لا تنتفع به بعدها أبدا، وهذه مئة دينار، فخذها ودع الجارية، فإنه يتحظاها، وسيندم على هبته إياها لك. قلت: واللَّه لا نقصتك من خمس مئة دينار. فلم يزل يزايدني حتى بلغ مئتي دينار، ولم تطب نفسي أن أضيعها، فقلت: هاتها، فأعطانيها، وأخذها الخادم.

  فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك، فلما قربت من داره لقيني الخادم، فقال: هل لك في مئة دينار وتقول ما لا يضرك، ولعله أن ينفعك؟ قلت: وما ذاك؟ قال: إذا دخلت إليه ادّعيت عنده الثلاث الفسوات، ونسبتها إلى نفسك، وتنفح⁣(⁣١) عن الجارية ما قرفتها به. قلت: هاتها. فدفعها إليّ، ودخلت على عبد الملك، فلما وقفت بين يديه قلت: ألي الأمان حتى أخبرك بخبر يسرك، وتضحك منه؟ قال: لك الأمان. قلت: أرأيت ليلة حضوري وما جرى؟ قال: نعم. فقلت: فعليّ وعليّ إن كان فسا تلك الفسوات غيري. فضحك حتى سقط على قفاه. ثم قال:

  ويلك! فلم لم تخبرني؟ قلت: أردت بذلك خصالا، منها أن قمت فقضيت حاجتي، وقد كان رسولك منعني منها، ومنها أني أخذت جاريتك، ومنها أن كافأتك على أذاك لي بمثله. فقال: فأين الجارية؟ قلت: ما برحت من دارك ولا خرجت حتى سلمتها إلى فلان الخادم، وأخذت / مائتي دينار. فسرّ بذلك، وأمر لي بمئتي دينار أخرى، وقال:

  هذه لجميل فعلك بي، وتركك أخذ الجارية.

  سباق غريب

  قال حمزة بن بيض: ودخلت إليه يوما وكان له غلام لم ير الناس أنتن إبطا منه، فقال لي: يا حمزة، سأبق غلامي حتى يفوح صنانكما، فأيكما كان صنانته أنتن، فله مئة دينار. فطمعت في المائة، ويئست منها لما أعلمه من نتن إبط الغلام، فقلت: أفعل. وتعادينا، فسبقني، فسلحت في يدي، ثم لطخت⁣(⁣٢) إبطي / بالسّلاح، وقد كان عبد الملك جعل بيننا حكما يخبره بالقصة، فلما دنا الغلام منه فشمه، وثب، وقال: هذا واللَّه لا يساجله⁣(⁣٣) شيء.

  فصحت به: لا تعجل بالحكم، مكانك. ثم دنوت منه، فألقمت أنفه إبطي حتى علمت أنه قد خالط دماغه، وأنا ممسك لرأسه تحت يدي. فصاح: الموت واللَّه! هذا بالكنف أشبه منه بالآباط! فضحك عبد الملك، ثم قال:

  أفحكمت له؟ قال: نعم. فأخذت الدنانير.

  رؤيا شعرية

  أخبرني عمي قال: حدّثني جعفر العاصميّ قال: حدّثنا عيينة بن المنهال، عن الهيثم بن عديّ، عن أبي يعقوب الثقفيّ، قال: قال حمزة بن بيض:

  دخلت يوما على مخلد بن يزيد، فقلت:

  أنّ المشارق والمغارب كلها⁣(⁣٤) ... تجبى وأنت أميرها وإمامها

  فضحك ثم قال: مه؟ فقلت:


(١) تدفع. وفي ف، مب: تنضح، وهو بمعنى تدفع أيضا.

(٢) ف، مب: طليت.

(٣) ف، مب: لا يشاكله.

(٤) رواية الشطر الأول في الأصول غير ف:

ليت المشارق والمغارب أصبحت