أخبار حمزة بن بيض ونسبه
  /
  فلما صدرنا عن زبالة وارتمت ... بنا العيس منها منقلا ثم منقلا(١)
  ترامت به الموماة حتى كأنما ... يسفّ بمعسول الخزيرة حنظلا(٢)
  وحتّى نبا عن مزود القوم ضرسه ... وعادى من الجهد الثريد المرعبلا(٣)
  وحتى لو أن الليث ليث خفيّة ... يحاوله عن نفسه ما تحلحلا
  وحتى لو أن اللَّه أعطاه سؤله ... وقيل له: ما تشتهي؟ قال: محملا
  فقلت له لما رأيت الذي به ... وقد خفت أن ينضى لدينا ويهزلا
  أطعني وكلّ شيئا، فقال معذّرا ... من الجهد: أطعمني ترابا وجندلا
  فللموت خير منك جارا وصاحبا ... فدعني فلا لبيك ثم تجدلا(٤)
  وقال: أقلني عثرتي وارع حرمتي ... وقد فر مني مرتين ليقفلا
  فقلت له: لا - والذي أنا أعبده - ... أقيلك حتى تمسح الركن أوّلا
  يعاتب مخلد بن زيد لتأخيره مكافأته فيرضيه
  أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن سعد قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي، قال: حدثني أبو عمر العمري، قال: حدثني عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان قال:
  قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب، فوعده أن يصنع به خيرا، ثم شغل عنه، فاختلف إليه مرارا، فلم يصل إليه، وأبطأت عليه عدته، فقال ابن بيض:
  أمخلد إن اللَّه ما شاء يصنع ... يجود فيعطي من يشاء ويمنع
  وإنّى قد أملت منك سحابة ... فحالت سرابا فوق بيداء تلمع
  / فأجمعت صرما ثم قلت: لعله ... يثوب إلى أمر جميل فيرجع
  فأيأسني من خير مخلد أنه ... على كل حال ليس لي فيه مطمع
  يجود لأقوام يودون أنه ... من البغض والشّنآن أمسى يقطَّع
  ويبخل بالمعروف عمن يودّه ... فو اللَّه ما أدري به كيف أصنع؟
  أأصرمه فالصّرم شرّ مغبّة ... ونفسي إليه بالوصال تطلَّع
  وشتان بيني في الوصال وبينه ... على كل حال أستقيم ويظلع
(١) زبالة: موضع من ضواحي المدينة («التاج»). والمنقل: الطريق في الجبل.
(٢) أي صار دمعه غزيرا كمن يسف الحنظل مع الخزيرة أو الحريرة، وهي طعام من دقيق ولبن يحلى بالعسل أو التمر. يريد أنه ضجر وبكى من طول السفر ووعورته.
(٣) المرعبل: المقطع قطعا كبيرة.
(٤) تجدلا: سقط على الجدالة وهي الأرض، من الإعياء.