أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه
  وكان السبب فيما ذكره جعفر العاصميّ عن عيينة بن المنهال، ونسخته من كتاب أعطانيه عليّ بن سليمان الأخفش:
  أن رجلا من طيئ قدم يثرب بإبل له يبيعها، فنزل في جوار برذع بن عديّ أخي بني ظفر، فباع إبله، واقتضى أثمانها، وكان مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة، اشترى منه جملا، فجعله ناضحا، فمطله مالك بن أبي كعب بثمن جمله، وحضر شخوص الطائيّ، فشكا ذلك إلى برذع، فمشى معه إلى منزل مالك، ليكلمه أن يوفيه ثمن جمله، أو يرده عليه، فلم يجدا مالكا في منزله، ووجدا الجمل باركا بالفناء، فبعثه برذع، وقال للطائيّ: انطلق بجملك، ثم خرجا مسرعين حتى دخلا في دار النّبيت، فأمنا، فارتحل الطائيّ بالجمل إلى بلاده، وبلغ مالكا ما صنع برذع، فكره أن ينشب بين قومه وبين النبيت حرب، فكف وقد أغضبه ذلك، وجعل يسفّه برذعا في جراءته عليه وما صنع، فقال برذع بن عديّ في ذلك:
  أمن شحط دار من لبابة تجزع ... وصرف النوى مما يشتّ ويجمع
  وليس بها إلا ثلاث كأنها ... مسفّعة أو قد علاهنّ أيدع(١)
  قد اقتربت لو كان في قرب دارها ... جداء ولكن قد تضن وتمنع
  وكان لها بالمنحنى وجنوبه ... مصيف ومشتى قبل ذاك ومربع
  / أتاني وعيد الخزرجيّ كأنني ... ذليل له عند اليهوديّ مضرع
  متى تلقني لا تلق نهزة واجد ... وتعلم أني في الهزاهز أروع(٢)
  معي سمحة صفراء من فرع نبعة ... ولين إذا مسّ الضريبة يقطع
  ومطَّرد لدن إذا هزّمتنه ... متين كخرص الذابلات وأهزع(٣)
  فلا وإلهي لا يقول مجاوري: ... ألا إنني قد خانني اليوم برذع(٤)
  وأحفظ جاري أن أخاتل عرسه ... ومولاي بالنّكراء لا أتطلع
  وأجعل مالي دون عرضي إنه ... على الوجد والإعدام عرض ممنّع
  وأصبر نفسي في الكريهة إنه ... لذي كل نفس مستقر ومصرع
  وإني بحمد اللَّه لا ثوب فاجر ... لبست ولا من خزية أتقنع
  فأجابه مالك بن أبي كعب، فقال:
(١) مسفعة: علاها سواد وحمرة. والأيدع: الزعفران.
(٢) الواجد: الغاضب الحاقد. وفي الأصول: واحد. الهزاهز: الشدائد، لا واحد له. والأروع: الشهم الذكي.
(٣) الخرص: الرمح القصير السنان. والذابلات: الرماح الدقيقة. والأهزع: الرمح المضطرب المهتز.
(٤) رواية ف، مب:
ولا وإلهي لا يقول محاربي: ... ألا إنني قد خافني اليوم برذع