أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه
  حيلة مالك في التخلص من برذع حين حاصره هو وآخرون
  قال: ثم إن مالك بن كعب خرج يوما لبعض حاجته، فبينا هو يمشي وحده، إذ لقيه برذع ومعه رجلان من بني ظفر، فلما رأوا مالكا أقبلوا نحوه، فبدرهم مالك إلى مكان من الحرّة كثير الحجارة مشرف، فقام عليه، وأخذ في يده أحجارا، وأقبلوا حتى دنوا منه، فشاتموه وراموه بالحجارة؛ وجعل مالك يلتفت إلى الطريق الذي جاء منه، كأنه يستبطئ ناسا، فلما رآه برذع وصاحباه يكثر الالتفات، ظنوا أنه ينتظر ناسا كانوا معه، وخشوا أن يأتوهم على تلك الحال، فانصرفوا عنه، فقال مالك بن أبي كعب في ذلك:
  لعمر أبيها لا تقول حليلتي: ... ألا فرّ عني مالك بن أبي كعب
  أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب
  أبى لي أن أعطى الصّغار ظلامة ... جدودي وآبائي الكرام أولو السّلب(١)
  هم يضربون الكبش يبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلق شهب
  وهم أورثوني مجدهم وفعالهم ... فأقسم لا يزري بهم أبدا عقبي
  ويروى: لا يخزيهم.
  وأرعى لجاري(٢) ما حييت ذمامه ... وأعرف ما حقّ الرفيق على الصحب
  ولا أسمع النّدمان شيئا يريبه ... إذا الكأس دارت بالمدام على الشّرب
  إذا ما اعترى بعض الندامى لحاجة ... فقولي له: أهلا وسهلا وفي الرحب
  / إذا أنفدوا الزّق الرويّ وصرّعوا ... نشاوى فلم أنقع(٣) بقولهم: حسبي
  بعثت إلى حانوتها فاستبأتها ... بغير مكاس في السّوام ولا غصب
  / وقلت: اشربوا ريّا هنيئا فإنها ... كماء القليب في اليسارة والقرب
  يطاف عليهم بالسّديف وعندهم ... قيان يلهّين المزاهر بالضرب
  فإن يصبروا لي الدهر أصبرهم بها ... ويرحب لهم باعي ويغزر لهم شربي
  وكان أبي في المحل يطعم ضيفه ... ويروي نداماه ويصبر في الحرب
  ويمنع مولاه ويدرك تبله ... ولو كان ذاك التبل في مركب(٤) صعب
  إذا ما منعت المال منكم لثروة ... فلا يهنني مالي ولا ينم لي كسبي
(١) في ف، مب:
أبى لي أن أعطي ظلامة معشري ... جدودي وآبائي الكرام ذوو الشغب
(٢) ف، مب: علي لجاري.
(٣) في الأصول عدا ف: أقطع.
(٤) في الأصول عدا ف: مطلب.