كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ربيعة الرقي ونسبه

صفحة 441 - الجزء 16

  نهكتنا النوائب، وأجحفت بأموالنا المصائب، ولنا بك رحم أنت أولى من وصلها، وأمل أنت أحق من صدقه، فما بعدك مطلب، ولا عنك مذهب، ولا فوقك مسؤول، ولا مثلك مأمول. وتكلم الآخر، فلم يأت بشيء فوصلهما، وفضل الأول تفضيلا كثيرا، ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال: يا فضل:

  لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم

  تفصيل سبب هجائه ليزيد بن أسيد

  قال أحمد بن أبي طاهر: حدثني أبو دعامة عليّ بن زيد بن عطاء الملط قال:

  لما هجا ربيعة يزيد بن أسيد السّلميّ، وكان جليلا عند المنصور والمهديّ، وفضّل عليه يزيد بن حاتم، قلت لربيعة: يا أبا شبابة، ما حملك على أن هجوت رجلا من قومك، وفضلت عليه رجلا من الأزد؟ فقال: أخبرك.

  أملقت فلم يبق لي شيء إلا داري، فرهنتها على خمس مئة درهم، ورحلت إليه إلى إرمينية، فأعلمته ذلك ومدحته، وأقمت عنده حولا، فوهب لي خمس مئة درهم، فتحملت وصرت بها إلى منزلي، فلم يبق معي كبير شيء، فنزلت في دار بكراء، فقلت: لو أتيت يزيد بن حاتم، ثم قلت: هذا ابن عمي فعل بي هذا الفعل، فكيف غيره؟ ثم حملت نفسي على أن أتيته، فأعلم بمكاني، فتركني شهرا حتى ضجرت، فأكريت نفسي من الحمالين، وكتبت بيتا في رقعة وطرحتها في دهليزه، والبيت:

  أراني ولا كفران للَّه راجعا ... بخفّي حنين من يزيد بن حاتم⁣(⁣١)

  فوقعت الرقعة في يد حاجبه، فأوصلها إليه من غير علمي ولا أمري، فبعث خلفي، فلما دخلت عليه قال: هيه، أنشدني ما قلت. فتمنعت، فقال: واللَّه لتنشدنّي، فأنشدته فقال: واللَّه لا ترجع كذلك، ثم قال: انزعوا خفيه، فنزعا فحشاهما دنانير، وأمر لي بغلمان وجوار وكسا، أفلا ترى لي أن أمدح هذا وأهجو ذاك! قلت: بلى واللَّه. ثم قال:

  وسار شعري حتى بلغ المهديّ فكان سبب دخولي إليه.

  هواه

  أخبرني الحسن بن عليّ الأدميّ قال: حدّثني محمد بن الحسن بن عباد بن الشهيد / القرقيسيانيّ قال: حدثني عمي عبد اللَّه بن عباد:

  أن ربيعة بن ثابت الرقيّ الأسديّ كان يلقب الغاوي، وكان يهوى جارية يقال لها عثمة، أمة لرجل من أهل قرقيسياء، يقال له ابن مرّار، وكان بنو هاشم / في سلطانهم قد ولَّوه مصر، فأصاب بها مالا عظيما، وبلغه خبر ربيعة مع جاريته، فأحضره، وعرض عليه أن يهبها له، فقال: لا تهبها لي، فإن كل مبذول مملول، وأكره أن يذهب حبّها من قلبي؛ ولكن دعني أواصلها هكذا، فهو أحب إليّ.

  قال: وقال فيها:

  اعتاد قلبك من حبيبك عيده ... شوق عراك فأنت عنه تذوده

  والشوق قد غلب الفؤاد فقاده ... والشوق يغلب ذا الهوى فيقوده


(١) مب: من نوال يزيد.