الخبر في هذه القصة، وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وغيره معهما فيها
  فقال عامر: واللَّه إني لأنزل منك للقفرة، وأنحر منك للبكرة، وأطعم منك للهبرة(١)، وأطعن منك للثّغرة(٢).
  فقال علقمة: واللَّه إنك / لكليل البصر، نكد النظر، وثّاب على جاراتك بالسّحر.
  فقال بنو خالد بن جعفر، وكانوا يدا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر: لن تطيق عامرا، ولكن قل له: أنافرك بخيرنا وأقربنا إلى الخيرات، وخذ عليه بالكبر. فقال له علقمة هذا القول.
  فقال عامر: عنز وتيس، وتيس وعنز(٣)، فذهبت مثلا. نعم على مئة من الإبل، إلى مئة من الإبل يعطاها الحكم، أينا نفّر عليه صاحبه أخرجها، ففعلوا ذلك، ووضعوا بها رهنا من أبنائهم، على يدي رجل من بني الوحيد، فسمي الضّمين إلى الساعة، وهو الكفيل.
  قال: وخرج علقمة ومن معه من بني خالد، وخرج عامر فيمن معه من بني مالك، وقد أتى عامر بن الطفيل عمه عامر بن مالك، وهو أبو براء، فقال: يا عماه، أعنّي. فقال: يا بن أخي، سبّني. فقال: لا أسبك وأنت عمي.
  قال: فسبّ الأحوص. فقال عامر: ولا أسب واللَّه الأحوص وهو عمي، فقال: فكيف إذن أعينك، ولكن دونك نعلي، فإني قد ربعت فيها أربعين مرباعا، فاستعن بها في نفارك.
  اختيار الحكم بينهما
  وجعلا منافرتهما إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية، فلم يقل بينهما شيئا، وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما، وقال: أنتما كركبتي البعير الأدرم(٤)، تقعان بالأرض. قالا: فأينا اليمين؟ فقال: كلاكما اليمين. وأبى أن يقضي بينهما. فانطلقا إلى أبي جهل بن هشام، فأبى أن يحكم بينهما، فوثب مروان بن سراقة بن قتادة بن عمرو بن الأحوص بن جعفر، فقال:
  يآل قريش بيّنوا الكلاما ... إنا رضينا منكم الأحكاما
  فبيّنوا إن كنتم حكَّاما ... كان أبونا لهم إماما
  وعبد عمرو منع الفئاما ... في يوم فخر معلم إعلاما
  ودعلج أقدمه إقداما ... لولا الذي أجشمهم إجشاما ... لا تخذتهم مدحج نعاما
  قال: فأبوا أن يقولوا بينهما شيئا.
  وقد كانت العرب تحاكم إلى قريش، فأتيا عيينة بن حصن بن حذيفة، فأبى أن يقول بينهما شيئا. فأتيا غيلان بن سلمة بن معتب الثّقفيّ، فردهما إلى حرملة بن الأشعر المرّي، فردهما إلى هرم بن قطبة بن سنان بن عمرو الفزاريّ، فانطلقا حتى نزلا به.
(١) القطعة المجتمعة من اللحم.
(٢) ف: للنبرة. ولعل صحتها: للنثرة، بمعنى الخيشوم وما والاه.
(٣) يريد: مثلي ومثلك كالعير والتيس، أو كالتيس والعنز، إذ التيس أقوى على النطاح من العنز.
(٤) الأدرم: الذي تراكب لحمه وشحمه حتى غطى عظامه، والذي ذهبت جلدة أسنانه ودنا وقوعها، أو الذي لا أسنان له.