أخبار أحمد بن يحيى المكي
  الغناء فيه لمعبد، خفيف ثقيل أول في مجرى البنصر، عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنه لمالك، وليس كما قال، لحن مالك ثقيل أول ذكره الهشاميّ ودنانير وغيرهما.
  قال: فغناه أحمد بن يحيى المكي، فأحسن فيه كل الإحسان. فلما قمت للانصراف قلت للحسن: يا أبا عليّ، أضعف الجميع. فقال له أحمد: ما هذا الذي أسمعكما تقولانه، ولست أدري ما معناه. قال: نحن نبيعك ونشتريك منذ الليلة وأنت لا تدري.
  وأخبرنا بهذا الخبر يحيى بن عليّ بن يحيى، عن أخيه أحمد بن عليّ، عن عافية بن شبيب، عن أبي حاتم، قال:
  كان إسحاق عندنا في منزل أبي عليّ الحسن بن وهب، وعندنا ظنين بن المكيّ، وذكر الحديث مثله، وقال فيه: إنه قوّمه مئة ألف درهم، وذكر أن الصوت الذي غناه آخرا:
  صوت
  أمن دمن وخيم باليات ... وسفع كالحمائم جاثمات
  أرقت لهنّ شطر الليل حتى ... طلعن من المناقب منجدات
  وأن إسحاق لمّا سمعه قال: كم كنت قوّمته؟ قال: مئة ألف درهم. قال: أضعفوا القيمة. قيمته مئتا ألف درهم.
  في هذين البيتين لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول، بالسبابة في مجرى الوسطى، ينسب إلى ابن مسجح، وإلى ابن محرز. وفيه لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، عن عمرو. وللغريض خفيف ثقيل عن الهشاميّ.
  مناظرته للمغنين
  أخبرني جحظة قال: حدثني محمد بن أحمد المكي قال:
  ناظر أبي بعض المغنين ذات ليلة بين يدي المعتصم، وطال / تلاحيهما في الغناء، فقال أبي للمعتصم، يا أمير المؤمنين، من شاء منهم فليغنّ عشرة أصوات لا أعرف منها ثلاثة، وأنا أغني عشرة وعشرة وعشرة، لا يعرف أحد منهم صوتا منها. فقال إسحاق: صدق يا أمير المؤمنين. واتبعه ابن بسخنّر وعلَّويه، فقالا: صدق(١) يا أمير المؤمنين إسحاق فيما يقوله. فأمر له بعشرين ألف درهم.
  قال محمد: ثم عاد ذلك الرجل إلى مماظَّته يوما، فقال له: قد دعوتك إلى النّصفة، فلم تقبل، وأنا أدعوك وأبدأ بما دعوتك إليه، فاندفع فغنى عشرة أصوات، فلم يعرف أحد منهم منها صوتا واحدا، كلها من الغناء القديم، والغناء اللاحق به من صنعة المكَّيين الحذّاق الخاملي الذكر، فاستحسن المعتصم منها صوتا، وأسكت المغنين له، واستعاده مرات عدّة، ولم يزل يشرب عليه سحابة يومه، وأمر ألا يراجع أحدا / من المغنين كلاما، ولا يعارضه أحد منهم، إذ كان قد أبرّ عليهم، وأوضح الحجة في انقطاعهم، وإدحاض حججهم.
  كان الصوت الذي اختاره المعتصم عليه، وأمر له لما سمعه بألفي دينار:
(١) إلى هنا ينتهي الساقط من (ف).