كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن صالح العلوي ونسبه

صفحة 513 - الجزء 16

  غريب، لا أعرف أحدا، ثم قلت: لعلهما من ولد أبي أو بعض نساء أهلي، فخرجت إليهما، فإذا بصاحبتي، فلما رأتني بكت لما رأت من تغير خلقي، وثقل حديدي، فأقبلت عليها الأخرى فقالت: أهو هو؟ فقالت: إي واللَّه، إنه لهو هو، ثم أقبلت عليّ فقالت: فداك أبي وأمي، واللَّه لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت، وكنت بذلك مني حقيقا، وو اللَّه لا تركت المعاونة لك، والسعي في حاجتك، وخلاصك بكل حيلة ومال وشفاعة، وهذه دنانير وثياب وطيب، فاستعن بها على موضعك، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك، حتى يفرّج اللَّه عنك. ثم أخرجت إلي كسوة وطيبا ومائتي دينار، وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف، وتواصل⁣(⁣١) برّها بالسّجّان، فلا يمتنع من كل شيء أريده.

  فمنّ اللَّه بخلاصي، ثم راسلتها فخطبتها، فقالت: أما من جهتي فأنا لك متابعة مطيعة، والأمر إلى أبي، فأتيته، فخطبتها إليه، فردني، وقال: ما كنت لأحقق عليها ما قد شاع في الناس عنك في أمرها، وقد صيرتها فضيحة، فقمت من عنده منكَّسا مستحيا، وقلت له في ذلك:

  رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحقّ أدال اللَّه منهم فعجّلا

  بأمر تركناه وربّ محمد ... عيانا فإما عفّة أو تجمّلا

  فقلت له: إن عيسى صنيعة أخي، وهو لي مطيع، وأنا أكفيك أمره.

  فلما كان من الغد لقيت عيسى في منزله، وقلت له: قد جئتك في جاجة لي؛ فقال: مقضية، ولو كنت استعملت ما أحبه لأمرتني فجئتك، وكان أسرّ إليّ. فقلت له: قد جئتك خاطبا إليك ابنتك. فقال: هي لك أمة، وأنا لك عبد، / وقد أجبتك. فقلت: إني خطبتها على من هو خير مني أبا وأما، وأشرف لك صهرا ومتّصلا، محمد بن صالح العلويّ. فقال لي: يا سيدي، هذا رجل قد لحقتنا بسببه ظنة، وقيلت فينا أقوال. فقلت: أفليست باطلة؟ قال: بلى، والحمد للَّه. قلت: فكأنها لم تقل، وإذا وقع النكاح زال كل قول وتشنيع، ولم أزل أرفق به حتى أجاب، وبعثت إلى محمد بن صالح فأحضرته، وما برحت حتى زوجته، وسقت الصّداق عنه.

  مدحه إبراهيم بن المدبر

  قال أبو الفرج الأصبهاني:

  وقد مدح محمد بن صالح إبراهيم بن المدبّر مدائح كثيرة، لما أولاه من هذا الفعل، ولصداقة كانت بينهما، فمن جيد ما قاله فيه قوله:

  أتخبر عنهم الدّمن الدّثور ... وقد ينبي إذا سئل الخبير

  وكيف تبيّن الأنباء دار ... تعاقبها الشمائل والدّبور

  يقول فيها في مدحه:

  فهلَّا في الذي أولاك عرفا ... تسدّي من مقالك ما تنير⁣(⁣٢)


(١) كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: يتواصل.

(٢) تسدّي: تقوي لحمة الثوب بالسدي. وتنير: تنسج النير، وهو لحمة الثوب.