أخبار أبي تمام ونسبه
  ولكنني لم أحو وفرا مجمّعا ... ففزت به إلا بشمل مبدّد
  ولم تعطني الأيام نوما مسكَّنا ... ألذّ به إلا بنوم مشرّد
  فقال عمارة: للَّه درّه! لقد تقدم في هذا المعنى من سبقه إليه، على كثرة القول فيه، حتى لقد حبّب إليّ الاغتراب، هيه. فأنشده:
  وطول مقام المرء في الحيّ مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدّد
  فإني رأيت الشمس زيدت محبّة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
  فقال عمارة: كمل واللَّه، لئن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واتساق(١) الكلام، فإن صاحبكم هذا أشعر الناس.
  تفضيل علي بن الجهم له
  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدثني محمد بن موسى بن حمّاد قال: سمعت علي بن الجهم يصف أبا تمّام ويفضله، فقال له رجل: واللَّه لو كان أبو تمام أخاك مازدت على مدحك هذا. فقال: إن لم يكن أخا بالنسب، فإنه أخ بالأدب والمودة؛ أما سمعت ما خاطبني به حيث يقول:
  إن يكد مطَّرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد(٢)
  أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدّر من غمام واحد
  أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
  زعم دعبل أنه يسرق معانيه
  أخبرني محمد قال: حدثني هارون بن عبد اللَّه المهلبيّ قال:
  كنا في حلقة دعبل، فجرى ذكر أبي تمام، فقال دعبل: كان يتتبع معانيّ فيأخذها. فقال له رجل في مجلسه:
  وأي شيء من ذلك، أعزك اللَّه؟ قال: قولي:
  وإن امرأ أسدى إليّ بشافع ... إليه ويرجو الشكر مني لأحمق
  شفيعك فاشكر في الحوائج إنه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
  فقال الرجل: فكيف قال أبو تمام؟ فقال: قال:
  /
  فلقيت بين يديك(٣) حلو عطائه ... ولقيت بين يديّ مرّ سؤاله
  وإذا امرؤ أسدى إليك(٤) صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله
(١) أ، م: واستواء.
(٢) أكدى: خاب ولم ينفع. والمطرف، المستحدث. والتالد: القديم.
(٣) كذا في أ، م و «الديوان». وفي بقية الأصول: «يديه».
(٤) أ، م: إليّ.