كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي تمام ونسبه

صفحة 529 - الجزء 16

  ثم قال لي إبراهيم: إن أبا تمام اخترم وما استمتع بخاطره، ولا نزح ركيّ⁣(⁣١) فكره، حتى انقطع رشاء⁣(⁣٢) عمره.

  أخبرني محمد قال: حدثني أبو الحسين بن السخيّ قال: حدثني الحسين بن عبد اللَّه قال:

  سمعت عمي إبراهيم بن العباس يقول لأبي تمام، وقد أنشد شعرا له في المعتصم: يا أبا تمام، أمراء الكلام رعية لإحسانك.

  تعصب دعبل عليه

  أخبرني محمد قال: حدثني هارون بن عبد اللَّه قال: قال لي محمد بن جابر الأزديّ، وكان يتعصب لأبي تمام:

  أنشدت دعبل بن عليّ⁣(⁣٣) شعرا لأبي تمام ولم أعلمه أنه له، ثم قلت له: كيف تراه؟ قال: أحسن من عافية بعد يأس. فقلت: إنه لأبي تمام. فقال: لعله سرقه!

  الشعراء لا يتكسبون إلا بعد موته

  أخبرني محمد قال: حدثني أحمد بن يزيد المهلبيّ عن أبيه قال:

  ما كان أحد من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهما بالشعر في حياة أبي تمام، فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه.

  إعجاب شعراء خراسان به وأنفته

  أخبرني عمي والحسن بن عليّ ومحمد بن يحيى وجماعة من أصحابنا، وأظن أيضا جحظة حدّثنا به، قالوا:

  حدّثنا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر قال:

  لما / قدم أبو تمام إلى خراسان اجتمع الشعراء إليه، وسألوه أن ينشدهم، فقال: قد وعدني الأمير أن أنشده غدا، وستسمعوني⁣(⁣٤). فلما دخل على عبد اللَّه أنشده:

  هنّ عوادي يوسف وصواحبه ... فعزما فقدما أدرك السؤل طالبه

  فلما بلغ إلى قوله:

  وقلقل نأي من خراسان جأشها ... فقلت اطمئني أنضر الروض عازبه

  وركب كأطراف الأسنة عرّسوا ... على مثلها والليل تسطو غياهبه

  لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه

  فصاح الشعراء بالأمير أبي العباس: ما يستحقّ مثل هذا الشعر غير الأمير أعزه اللَّه! وقال شاعر منهم يعرف بالرياحيّ:

  لي عند الأمير أعزه اللَّه جائزة وعدني بها، وقد جعلتها لهذا الرجل جزاء عن قوله للأمير. فقال له: بل نضعفها لك،


(١) الركى: البئر.

(٢) الرشاء: الحبل يستقي عليه من البئر.

(٣) أ، م: فلانا، في موضع: دعبل بن عليّ.

(٤) كذا في الأصول بحذف إحدى النونين.