كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي تمام ونسبه

صفحة 530 - الجزء 16

  ونقوم له بما يجب له علينا. فلما فرغ من القصيدة نثر عليه ألف دينار، فلقطها الغلمان، ولم يمسّ منها شيئا، فوجد عليه عبد اللَّه وقال: يترفع عن برّي، ويتهاون بما أكرمته به. فلم يبلغ ما أراده منه بعد ذلك.

  تقدير أبي دلف لشعره

  أخبرني أبو مسلم محمد بن بحر الكاتب وعمي، عن الحزنبل، عن سعيد بن جابر الكرخيّ، عن أبيه:

  أنه حضر أبا دلف القاسم بن عيسى وعنده أبو تمام الطائيّ، وقد أنشده قصيدته:

  /

  على مثلها من أربع وملاعب ... أذيلت مصونات الدموع السواكب

  فلما بلغ إلى قوله:

  إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... وزادت على ما وطَّدت من مناقب

  فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب

  محاسن من مجد متى تقرنوا بها ... محاسن أقوام تكن كالمعايب

  فقال أبو دلف: يا معشر ربيعة، ما مدحتم بمثل هذا الشعر قطَّ، فما عندكم لقائله؟ فبادروه بمطارفهم يرمون بها إليه. فقال أبو دلف: قد قبلها وأعاركم لبسها، وسأنوب عنكم في ثوابه. تمّم القصيدة يا أبا تمام. فتممها، فأمر له بخمسين ألف درهم، وقال: واللَّه ما هي بإزاء استحقاقك وقدرك. فاعذرنا، فشكره وقام ليقبّل يده، فحلف ألا يفعل، ثم قال له: أنشدني قولك في محمد بن حميد:

  وما مات حتى مات مضرب سيفه ... من الضرب واعتلت عليه القنا السّمر

  وقد كان فوت الموت سهلا فردّه ... إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر

  فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر

  غدا غدوة والحمد نسج ردائه⁣(⁣١) ... فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر

  كأن بني نبهان يوم مصابه ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر

  يعزّون عن ثاو يعزّى به العلى ... ويبكى عليه البأس والجود والشعر

  فأنشده إياها، فقال: واللَّه لوددت أنها فيّ. فقال: بل أفدّي الأمير بنفسي وأهلي، وأكون المقدم، / فقال: إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر، أو مثله.

  مدحه الواثق بن أبي دواد

  أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني إسحاق بن يحيى الكاتب قال:

  / قال الواثق لأحمد بن أبي دواد: بلغني أنك أعطيت أبا تمام الطائيّ في قصيدة مدحك بها ألف دينار. قال:

  لم أفعل ذلك يا أمير المؤمنين، ولكني أعطيته خمس مئة دينار رعاية للذي قاله للمعتصم:

  فاشدد بهارون الخلافة إنه ... سكن لوحشتها ودار قرار


(١) أ، م: حشو ردائه.