أخبار أبي الشيص ونسبه
  أين الشباب وأيّة سلكا ... لا أين يطلب ضلّ بل هلكا
  لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
  فقال: صدقت. ثم أقبل على أبي الشيص، فقال له: وأنت يا أبا جعفر، فكأني بك وقد أنشدت قولك:
  لا تنكري صدّي ولا إعراضي ... ليس المقلّ عن الزمان براض
  فقال له: لا. ما هذا أردت أن أنشد، ولا هذا بأجود شيء قلته. قالوا: فأنشدنا ما بدا لك. فأنشدهم قوله:
  صوت
  وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
  أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللَّوّم
  أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ كان حظي منك حظَّي منهم
  / وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا(١) ... ما من يهون عليك ممن يكرم(٢)
  لعريب في هذا الشعر لحنان: ثقيل أوّل، ورمل.
  / قال: فقال أبو نواس، أحسنت واللَّه وجودت! وحياتك لأسرقنّ هذا المعنى منك، ثم لأغلبنك عليه، فيشتهر ما أقول، ويموت ما قلت. قال: فسرق قوله:
  وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
  سرقا خفيا(٣)، فقال في الخصيب:
  فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يسير الجود حيث يسير
  فسار بيت أبي نواس، وسقط بيت أبي الشيص.
  مجلس شعري آخر
  نسخت من كتاب جدّي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه:
  حدّثني الحسن بن سعد قال: حدّثني رزين بن عليّ الخزاعيّ أخو دعبل قال:
  كنا عند أبي نواس أنا ودعبل وأبو الشيص ومسلم بن الوليد الأنصاريّ، فقال أبو نواس لأبي الشيص: أنشدني قصيدتك المخزية. قال: وما هي؟ قال: الضادية. فما خطر بخلدي قولك:
  ليس المقلّ عن الزمان براض
  إلا أخزيتك(٤) استحسانا لها، فإنّ الأعشى كان إذا قال القصيدة عرضها على ابنته، وقد كان ثقّفها وعلمها ما بلغت به
(١) أ، م: عامدا.
(٢) أ، م: أكرم.
(٣) كذا في أ، م. وفي بقية الأصول: خفيفا.
(٤) أخزيتك: قلت: أخزاه اللَّه!.