أخبار أبي الشيص ونسبه
  تعشق أبو الشيص محمد بن رزين قينة لرجل من أهل بغداد، فكان يختلف إليها، وينفق عليها في منزل الرجل، حتى أتلف مالا كثيرا. فلما كفّ بصره، وأخفق، جعل إذا جاء إلى مولى الجارية حجبه، ومنعه من الدخول، فجاءني أبو الشيص، فشكا إليّ وجده بالجارية، واستخفاف مولاها به، وسألني المضيّ معه إليه، فمضيت معه، فاستؤذن لنا عليه، فأذن، فدخلت أنا وأبو الشيص، فعاتبته في أمره، وعظَّمت عليه حقه، وخوفته من لسانه ومن إخوانه، فجعل له يوما في الجمعة يزورها فيه، فكان يأكل في بيته، ويحمل معه نبيذه ونقله، فمضيت معه ذات يوم إليها، فلما وقفنا على بابهم، سمعنا صراخا شديدا من الدار، فقال لي: ما لها تصرخ؟ أتراه قد مات لعنه اللَّه! فما زلنا ندق الباب حتى فتح لنا، فإذا هو قد حسر كميه وبيده سوط، وقال لنا: ادخلا، فدخلنا، وإنما حمله على الإذن لنا الفرق مني، فدخلنا وعاد الرجل إلى داخل يضربها، فاستمعنا عليه واطلعنا، فإذا هي مشدودة على سلَّم وهو يضربها أشد ضرب، وهي تصرخ، وهو يقول: وأنت أيضا فاسرقي الخبز. فاندفع أبو الشيص على المكان يقول في ذلك:
  يقول والسوط على كفّه ... قد حزّ في جلدتها حزّا
  وهي على السّلَّم مشدودة ... «وأنت أيضا فاسرقي الخبزا»
  / قال: وجعل أبو الشيص يردّدهما، فسمعهما الرجل، فخرج إلينا مبادرا، وقال له: أنشدني البيتين اللذين قلتهما، فدافعه، فحلف أنه لا بد من إنشادهما، فأنشده إياهما، فقال لي: يا أبا الحسن، أنت كنت شفيع هذا، وقد أسعفتك بما تحب، فإن شاع هذان البيتان فضحتني، فقل له يقطع هذا، ولا يسمعهما، وله علي يومان في الجمعة. ففعلت ذلك، ووافقته عليه، فلم يزل يتردد إليه يومين في الجمعة حتى مات.
  شعره في جارية سوداء عشقها
  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بن عبد الرّحمن الكاتب، عن أبيه قال:
  كانت لأبي الشّيص جارية سوداء اسمها تبر، وكان يتعشقها، وفيها يقول:
  لم تنصفي يا سمية الذّهب ... تتلف نفسي وأنت في لعب
  يابنة عم المسك الذكي ومن ... لو لاك لم يتخذ ولم يطب
  ناسبك المسك في السواد وفي الرّيح فأكرم بذاك من نسب
  شعره في محمد بن إسحاق لما تغير له
  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا عليّ بن محمد النّوفليّ، عن عمه قال:
  كان أبو الشّيص صديقا لمحمد بن إسحاق بن سليمان الهاشميّ، وهما حينئذ مملقان، فنال محمد بن إسحاق مرتبة عند سلطانه، واستغنى، فجفا أبا الشيص، وتغير له، / فكتب إليه:
  الحمد للَّه رب العالمين على ... قربي وبعدك مني يا بن إسحاق
  يا ليت شعري متى تجدي عليّ وقد ... أصبحت رب دنانير وأوراق
  تجدي عليّ إذا ما قيل من راق ... والتفت الساق عند الموت بالساق