ذكر الكميت ونسبه وخبره
  سبب حفيظة خالد القسري عليه
  وكان خالد بن عبد اللَّه القسريّ - فيما حدّثني به عيسى بن الحسين الورّاق، قال: أخبرنا أحمد بن الحارث الفزاريّ عن ابن الأعرابيّ، وذكره محمد بن أنس السّلاميّ عن المستهلّ بن الكميت، وذكره ابن كناسة عن جماعة من بني أسد - [قد بلغه] أنّ الكميت أنشد قصيدته التي يهجو فيها اليمن، وهي:
  ألا حيّيت عنّا يا مدينا(١)
  احتيال خالد لإثارة هشام عليه
  فأحفظته عليه، فروّى جارية حسناء قصائده الهاشميات، وأعدّها ليهديها إلى هشام، وكتب إليه بأخبار الكميت وهجائه بني أميّة، وأنفذ إليه قصيدته التي يقول فيها:
  فيا ربّ هل إلَّا بك النّصر يبتغى ... ويا ربّ هل إلَّا عليك المعوّل!(٢)
  حبسه وكتاب أبان بن الوليد إليه بطريقة هروبه
  وهي طويلة يرثي فيها(٣) زيد بن عليّ، وابنه الحسين بن زيد، ويمدح بني هاشم. فلما قرأها أكبرها وعظمت عليه، واستنكرها، وكتب إلى خالد يقسم عليه أن يقطع الكميت ويده. فلم يشعر الكميت إلَّا والخيل محدقة بداره، فأخذ وحبس في المخيّس(٤)، وكان أبان بن الوليد عاملا على واسط، وكان الكميت صديقه، فبعث إليه بغلام على بغل، وقال له: أنت حرّ إن لحقته، والبغل لك. وكتب إليه: قد بلغني ما صرت إليه، وهو القتل، إلا أن يدفع اللَّه ø، وأرى لك أن تبعث إلى حبّي - يعني زوجة الكميت وهي بنت نكيف بن عبد الواحد، وهي ممّن يتشيّع أيضا - فإذا دخلت إليك تنقّبت نقابها، ولبست ثيابها وخرجت، فإني أرجو إلَّا يؤبه لك.
  فأرسل الكميت إلى أبي وضّاح حبيب بن بديل، وإلى فتيان من بني عمّه من مالك بن سعيد، فدخل عليه حبيب فأخبره الخبر، وشاوره فيه، فسدّد رأيه، ثم بعث إلى حبّي امرأته، فقصّ عليها القصة، وقال لها: أي ابنة عمّ، إن الوالي لا يقدم عليك، ولا يسلمك قومك، ولو خفته عليك لما عرّضتك له. / فألبسته ثيابها وإزارها وخمّرته(٥)، وقالت له: أقبل وأدبر؛ ففعل، فقالت: ما أنكر منك شيئا إلَّا يبسا في كتفك، فأخرج على اسم اللَّه.
  امرأته حبّى مكانه في السجن
  / وأخرجت معه جارية لها، فخرج وعلى باب السجن أبو وضّاح، ومعه فتيان من أسد، فلم يؤبه له، ومشى
(١) عجزة:
وهل بأس بقول مسلَّمينا
الخزانة ١: ٨٦، وقوله: «يا مدينا» أراد: «يا مدينة» فرخم.
(٢) الهاشميات ٧٠.
(٣) في هامش أ: «هذا غلط من وجهين: أحدهما إيفاد خالد إلى بمرثية زيد، وزيد إنما قتل في إمارة يوسف بن عمر بعد خالد.
والثاني في جعله الحسين بن زيد مرثيا أيضا والحسين لم يقتل، وكان ممن يرى الخروج.
(٤) المخيس، كمعظم ومحدّث: السجن.
(٥) خمرته: ألبسته خمارها.