ذكر الكميت ونسبه وخبره
  فقال الكميت: بئس الرّأي! أضيع دمي بين صبيّ وامرأة! فهل غير هذا؟ قال: نعم، مات معاوية ابن أمير المؤمنين وكان يحبّه، وقد جعل أمير المؤمنين على نفسه أن يزور قبره في كل أسبوع يوما - وسمّى يوما بعينه - وهو يزوره في ذلك اليوم، فامض فاضرب بناءك عند قبره، واستجر به، فإني سأحضر معه وأكلَّمه بأكثر من الجوار.
  استجارته بقبر معاوية بن هشام
  ففعل ذلك الكميت في اليوم الذي يأتيه فيه أبوه، فجاء هشام ومعه مسلمة، فنظر إلى البناء، فقال لبعض أعوانه: انظر ما هذا، فرجع فقال: الكميت بن زيد مستجير بقبر معاوية ابن أمير المؤمنين. فأمر بقتله، فكلَّمه مسلمة وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ إخفار الأموات عار على الأحياء، فلم يزل يعظَّم عليه الأمر حتى أجاره.
  خروج الجعفرية على خالد وهو يخطب وتحريفهم
  فحدثنا محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا حجر بن عبد الجبّار، قال:
  خرجت الجعفرية على خالد بن عبد اللَّه القسريّ وهو يخطب على المنبر وهو لا يعلم بهم، فخرجوا في التبابين(١)، ينادون: لبّيك جعفر، لبّيك جعفر! وعرف خالد خبرهم، وهو يخطب على المنبر، فدهش فلم يعلم ما يقول فزعا، فقال: أطعموني ماء، ثم خرج الناس إليهم فأخذوا، فجعل يجيء بهم إلى المسجد ويؤخذ طنّ(٢) قصب فيطلى بالنّفط، ويقال للرجل احتضنه، ويضرب حتى يفعل، ثم يحرق، فحرّقهم جميعا.
  تعريضه بخالد
  فلما قدم يوسف بن عمر دخل عليه الكميت وقد مدحه بعد قتله زيد بن عليّ، فأنشده قوله فيه:
  خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن ... كمن حصنه فيه الرّتاج المضبّب(٣)
  وما خالد يستطعم الماء فاغرا ... بعدلك والدّاعي إلى الموت ينعب
  الجند يقتلونه تعصبا لخالد
  قال: والجند قيام على رأس يوسف بن عمر، وهم يمانية، فتعصّبوا لخالد، فوضعوا ذباب سيوفهم في بطن الكميت، فوجئوه(٤) بها، أتنشد الأمير ولم تستأمره! فلم يزل الدّم حتى مات.
  اعتذاره لهشام من ذنبه
  وأخبرني عمّي، قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد اللَّه الطلحيّ عن محمد بن سلمة بن أرتبيل، قال:
  / لما دخل الكميت بن زيد على هشام، سلَّم ثم قال: يا أمير المؤمنين، غائب آب، ومذنب تاب، محا
(١) التبابين: جمع تبان، وهو سراويل صغير يكون للملاحين والمصارعين، وتشبه أن تكون البيانيين وهم أتباع بيان فقد ورد في «الطبري» حوادث سنة ١١٩ خروجهم على خالد وتحريقه لهم.
(٢) طن القصب، بضم الطاء: الحزمة منه.
(٣) الرتاج: الباب العظيم؛ والمضبب: المغلق.
(٤) وجئوه: ضربوه.