ذكر الكميت ونسبه وخبره
  بالإنابة ذنبه، وبالصّدق كذبه، والتوبة تذهب الحوبة، ومثلك حلم عن ذي الجريمة، وصفح عن ذي الرّيبة.
  فقال له هشام: ما الَّذي نجّاك من القسريّ؟ قال: صدق النّية في التوبة. قال ومن سنّ لك الغيّ وأورطك فيه؟
  قال: الذي أغوى آدم فنسي ولم يجد له عزما، فإن رأيت يا أمير المؤمنين - فدتك نفسي - أن تأذن لي بمحو الباطل بالحقّ، بالاستماع لما قلته! فأنشده(١):
  /
  ذكر القلب إلفه المذكورا(٢) ... وتلافى من الشباب أخيرا
  حدثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير الأسديّ، قال: [حدثني محمد بن أنس، قال(٣)]: حدثني محمد بن سهل الأسديّ، قال:
  ابنه المستهل وعبد الصمد بن علي
  دخل المستهلّ بن الكميت على عبد الصمد بن عليّ، فقال له: من أنت؟ فأخبره؛ فقال: لا حيّاك اللَّه ولا حيّا أباك، هو الذي يقول:
  فالآن صرت إلى أميّة والأمور إلى المصاير قال: فأطرقت استحياء مما قال، وعرفت البيت. قال: ثم قال لي: ارفع رأسك يا بنيّ، فلئن كان قال هذا، فلقد قال:
  بخاتمكم كرها تجوز أمورهم ... فلم أر غصبا مثله حين يغصب(٤)
  قال: فسلَّى بعض تما كان بي، وحادثني ساعة، ثم قال: ما يعجبك من النساء يا مستهلّ؟ قلت:
  /
  غرّاء تسحب من قيام فرعها ... جثلا يزيّنه سواد أسحم(٥)
  فكأنها فيه نهار مشرق ... وكأنّه ليل عليها مظلم
  قال: يا بنيّ؛ هذه لا تصاب إلَّا في الفردوس، وأمر له بجائزة.
  شعره يصلح بين هشام وحاريته صدوف
  أخبرني عمّي قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني إبراهيم بن عبد اللَّه الخصّاف الطلحيّ، عن محمد بن أنس السّلاميّ، قال:
  كان هشام بن عبد الملك مشغوفا بجارية له يقال لها صدوف مدنيّة(٦) اشتريت له بمال جزيل، فعتب عليها ذات يوم في شيء وهجرها، وحلف ألَّا يبدأها بكلام، فدخل عليه الكميت وهو مغموم بذلك، فقال: ما لي أراك
(١) الهاشميات ١٨.
(٢) في الهاشميات: «إلفه المهجورا».
(٣) زيادة تقتضيها صحة السند، وانظر ص ٢٩.
(٤) الهاشميات ٤٠، وفي س: «لخاتمكم».
(٥) الشعر لبكر بن النطاح. الحماسة ٢: ٧٠ (طبعة الرافعي).
(٦) كذا في س، وهو الوجه في النسبة إلى مدينة الرسول تفرقة بينها وبين مدينة المنصور، فالنسبة إليها مدينيّ، وفي أ: «مدينية».