كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الكميت ونسبه وخبره

صفحة 18 - الجزء 17

  بالإنابة ذنبه، وبالصّدق كذبه، والتوبة تذهب الحوبة، ومثلك حلم عن ذي الجريمة، وصفح عن ذي الرّيبة.

  فقال له هشام: ما الَّذي نجّاك من القسريّ؟ قال: صدق النّية في التوبة. قال ومن سنّ لك الغيّ وأورطك فيه؟

  قال: الذي أغوى آدم فنسي ولم يجد له عزما، فإن رأيت يا أمير المؤمنين - فدتك نفسي - أن تأذن لي بمحو الباطل بالحقّ، بالاستماع لما قلته! فأنشده⁣(⁣١):

  /

  ذكر القلب إلفه المذكورا⁣(⁣٢) ... وتلافى من الشباب أخيرا

  حدثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير الأسديّ، قال: [حدثني محمد بن أنس، قال⁣(⁣٣)]: حدثني محمد بن سهل الأسديّ، قال:

  ابنه المستهل وعبد الصمد بن علي

  دخل المستهلّ بن الكميت على عبد الصمد بن عليّ، فقال له: من أنت؟ فأخبره؛ فقال: لا حيّاك اللَّه ولا حيّا أباك، هو الذي يقول:

  فالآن صرت إلى أميّة والأمور إلى المصاير قال: فأطرقت استحياء مما قال، وعرفت البيت. قال: ثم قال لي: ارفع رأسك يا بنيّ، فلئن كان قال هذا، فلقد قال:

  بخاتمكم كرها تجوز أمورهم ... فلم أر غصبا مثله حين يغصب⁣(⁣٤)

  قال: فسلَّى بعض تما كان بي، وحادثني ساعة، ثم قال: ما يعجبك من النساء يا مستهلّ؟ قلت:

  /

  غرّاء تسحب من قيام فرعها ... جثلا يزيّنه سواد أسحم⁣(⁣٥)

  فكأنها فيه نهار مشرق ... وكأنّه ليل عليها مظلم

  قال: يا بنيّ؛ هذه لا تصاب إلَّا في الفردوس، وأمر له بجائزة.

  شعره يصلح بين هشام وحاريته صدوف

  أخبرني عمّي قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني إبراهيم بن عبد اللَّه الخصّاف الطلحيّ، عن محمد بن أنس السّلاميّ، قال:

  كان هشام بن عبد الملك مشغوفا بجارية له يقال لها صدوف مدنيّة⁣(⁣٦) اشتريت له بمال جزيل، فعتب عليها ذات يوم في شيء وهجرها، وحلف ألَّا يبدأها بكلام، فدخل عليه الكميت وهو مغموم بذلك، فقال: ما لي أراك


(١) الهاشميات ١٨.

(٢) في الهاشميات: «إلفه المهجورا».

(٣) زيادة تقتضيها صحة السند، وانظر ص ٢٩.

(٤) الهاشميات ٤٠، وفي س: «لخاتمكم».

(٥) الشعر لبكر بن النطاح. الحماسة ٢: ٧٠ (طبعة الرافعي).

(٦) كذا في س، وهو الوجه في النسبة إلى مدينة الرسول تفرقة بينها وبين مدينة المنصور، فالنسبة إليها مدينيّ، وفي أ: «مدينية».