كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الكميت ونسبه وخبره

صفحة 19 - الجزء 17

  مغموما يا أمير المؤمنين، لا غمّك اللَّه! فأخبره هشام بالقصة، فأطرق الكميت ساعة ثم أنشأ يقول⁣(⁣١):

  أعتبت أم عتبت عليك صدوف ... وعتاب مثلك مثلها تشريف

  لا تقعدنّ تلوم نفسك دائبا ... فيها وأنت بحبّها مشغوف

  إنّ الصريمة لا يقوم بثقلها⁣(⁣٢) ... إلَّا القويّ بها، وأنت ضعيف

  فقال هشام: صدقت واللَّه، ونهض من مجلسه، فدخل إليها، ونهضت إليه فاعتنقته. وانصرف الكميت، فبعث إليه هشام بألف دينار، وبعثت إليه بمثلها.

  وفوده على زيد بن عبد الملك

  قال الطلحيّ: أخبرني حبيش بن الكميت أخو المستهلّ بن الكميت بن زيد، قال:

  وفد الكميت بن زيد على يزيد بن عبد الملك، فدخل عليه يوما وقد اشتريت له سلَّامة القسّ، فأدخلها إليه والكميت حاضر فقال له: يا أبا المستهلّ؛ هذه جارية تباع، أفترى أن نبتاعها؟ قال: إي واللَّه يا أمير المؤمنين؛ وما أرى أنّ لها مثلا في الدنيا فلا تفوتّنك، قال: فصفها في شعر حتى أقبل رأيك؛ فقال الكميت⁣(⁣٣):

  شعره في سلامة القس

  هي شمس النهار في الحسن إلَّا ... أنها فضّلت بقتل الظَّراف

  غضّة بضّة رخيم لعوب ... وعثة المتن شختة الأطراف⁣(⁣٤)

  زانها دلَّها وثغر نقيّ ... وحديث مرتّل غير جافي

  / خلقت فوق منية المتمنّي ... فاقبل النّصح يا بن عبد مناف

  فضحك يزيد، وقال: قد قبلنا نصحك يا أبا المستهلّ، وأمر له بجائزة سنّية.

  لقاؤه بالفرزدق وهو صبي

  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: أخبرني إبراهيم بن أيوب، عن ابن قتيبة، قال:

  مرّ الفرزدق بالكميت وهو ينشد - والكميت يومئذ صبيّ - فقال له الفرزدق: يا غلام، أيسرّك أني أبوك؟ فقال:

  لا، ولكن يسرّني أن تكون أمّي! فحصر⁣(⁣٥) الفرزدق، فأقبل على جلسائه وقال: ما مرّبي مثل هذا قط.

  إنشاده أبا عبد اللَّه جعفر بن محمد

  أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ بن عقدة، قال: أخبرنا عليّ بن محمد / الحسينيّ، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عيسى الحمّال، قال: حدثنا مصبّح بن الهلقام، قال: حدثنا محمد بن سهل صاحب الكميت:

  قال:


(١) الهاشميات ٩٤.

(٢) في ب: «بمثلها» والمثبت ما في الهاشميات.

(٣) الهاشميات ٩٤.

(٤) المتن: الظهر. ووعثة: سمينة. شختة الأطراف: ضامرتها لا هزالا.

(٥) الحصر، بالتحريك: العي في المنطق.