ذكر الكميت ونسبه وخبره
  كان قبيحا أمرتني بستره، وكنت أولى من ستره عليّ. فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن، وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فأنشدني ما قلت، فأنشدة:
  طربت وما شوقا إلى البيض أطرب(١)
  قال: فقال لي: فيم تطرب يا بن أخي؟ فقال:
  ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب
  فقال: بلى يا بن أخي، فالعب، فإنك في أوان اللعب، فقال:
  ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطرّبني بنان مخضّب
  / فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:
  ولا السانحات البارحات عشية ... أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب؟
  فقال: أجل، لا تتطيّر، فقال:
  ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب
  فقال: ومن هؤلاء؟ ويحك! فقال:
  إلى النّفر البيض الَّذين بحبّهم ... إلى اللَّه فيما نابني أتقرّب
  قال: أرحني ويحك! من هؤلاء؟ قال:
  بني هاشم رهط النبيّ فإنني ... بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
  خفضت لهم منّي جناحي مودّة ... إلى كنف عطفاه؛ أهل ومرحب
  وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء ... محبّا(٢)، على أنّي أذمّ وأقصب(٣)
  وأرمى وأرمي بالعداوة أهلها ... وإني لأوذي فيهم وأؤنّب
  فقال له الفردزق: بابن أخي، أذع ثم أذع؛ فأنت واللَّه أشعر من مضى، وأشعر من بقي.
  معارضته قصيدة لذي الرمة
  أخبرني الحسن، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير، قال: حدثني محمد بن أنس، قال: حدثني محمد بن سهل راوية الكميت عن الكميت، قال:
  لم قدم ذو الرّمة أتيته فقلت له: إني قد قلت قصيدة عارضت بها قصيدتك:
  / ما بال عينك منها الماء ينسكب(٤)
  فقال لي: وأيّ شيء قلت؟ قال: قلت:
(١) الهاشميات ٣٦.
(٢) الهاشميات: «مجنّا».
(٣) في س: «وأعضب». وقصبه، أي عابه وشتمه، والمثبت ما في الهاشميات.
(٤) ديوانه أ، وتمامه:
كأنه من كلى مفريّة سرب