كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الكميت ونسبه وخبره

صفحة 23 - الجزء 17

  كان قبيحا أمرتني بستره، وكنت أولى من ستره عليّ. فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن، وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فأنشدني ما قلت، فأنشدة:

  طربت وما شوقا إلى البيض أطرب⁣(⁣١)

  قال: فقال لي: فيم تطرب يا بن أخي؟ فقال:

  ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب

  فقال: بلى يا بن أخي، فالعب، فإنك في أوان اللعب، فقال:

  ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطرّبني بنان مخضّب

  / فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:

  ولا السانحات البارحات عشية ... أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب؟

  فقال: أجل، لا تتطيّر، فقال:

  ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب

  فقال: ومن هؤلاء؟ ويحك! فقال:

  إلى النّفر البيض الَّذين بحبّهم ... إلى اللَّه فيما نابني أتقرّب

  قال: أرحني ويحك! من هؤلاء؟ قال:

  بني هاشم رهط النبيّ فإنني ... بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب

  خفضت لهم منّي جناحي مودّة ... إلى كنف عطفاه؛ أهل ومرحب

  وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء ... محبّا⁣(⁣٢)، على أنّي أذمّ وأقصب⁣(⁣٣)

  وأرمى وأرمي بالعداوة أهلها ... وإني لأوذي فيهم وأؤنّب

  فقال له الفردزق: بابن أخي، أذع ثم أذع؛ فأنت واللَّه أشعر من مضى، وأشعر من بقي.

  معارضته قصيدة لذي الرمة

  أخبرني الحسن، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير، قال: حدثني محمد بن أنس، قال: حدثني محمد بن سهل راوية الكميت عن الكميت، قال:

  لم قدم ذو الرّمة أتيته فقلت له: إني قد قلت قصيدة عارضت بها قصيدتك:

  / ما بال عينك منها الماء ينسكب⁣(⁣٤)

  فقال لي: وأيّ شيء قلت؟ قال: قلت:


(١) الهاشميات ٣٦.

(٢) الهاشميات: «مجنّا».

(٣) في س: «وأعضب». وقصبه، أي عابه وشتمه، والمثبت ما في الهاشميات.

(٤) ديوانه أ، وتمامه:

كأنه من كلى مفريّة سرب