كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الكميت ونسبه وخبره

صفحة 24 - الجزء 17

  هل أنت عن طلب الأيفاع⁣(⁣١) منقلب ... أم كيف يحسن من ذي الشّيبة اللَّعب؟!

  حتى أنشدته إياها، فقال لي: ويحك! إنك لتقول قولا ما يقدر إنسان أن يقول لك أصبت ولا أخطأت، وذلك أنك تصف الشيء فلا تجيء به، ولا تقع بعيد منه، بل تقع قريبا. قلت له: أو تدري لم ذلك؟ قال: لا، قلت:

  لأنك تصف شيئا رأيته بعينك، وأنا أصف شيئا وصف لي، وليست المعاينة كالوصف. قال: فسكت⁣(⁣٢).

  علمه بالبادية عن وصف جدتيه

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني إسماعيل بن عبد اللَّه الطلحيّ، عن محمد بن سلمة بن أرتبيل، عن حمّاد الراوية، قال:

  كانت للكميت جدّتان أدركتا الجاهلية، فكانتا تصفان له البادية وأمورها وتخبرانه بأخبار الناس في الجاهلية، فإذا شكّ في شعر أو خبر عرضه عليهما فيخبرانه عنه، فمن هناك كان علمه.

  أخبرني الحسن بن القاسم البجليّ / الكوفيّ، قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن المعلَّى، قال: حدثنا محمد بن فضيل - يعني الصّيرفيّ - عن أبي بكر الحضرميّ، قال:

  / استأذنت للكميت على أبي جعفر محمد بن عليّ @ في أيام التّشريق بمنى، فأذن له، فقال له الكميت: جعلت فداك! إنّي قلت فيكم شعرا أحبّ أن أنشدكه. فقال: يا كميت، اذكر اللَّه في هذه الأيام المعلومات، وفي هذه الأيام المعدودات، فأعاد عليه الميت القول، فرقّ له أبو جعفر # فقال:

  هات، فأنشده قصيدته حتى بلغ⁣(⁣٣):

  يصيب به الرّامون عن قوس غيرهم ... فيا آخرا سدّى له الغيّ أوّل⁣(⁣٤)

  فرفع أبو جعفر يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر للكميت.

  استئذاته أبا جعفر في مدح بني أمية

  أخبرني جعفر بن محمد بن مروان الغزّال الكوفيّ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أرطاة بن حبيب، عن فضيل الرّسّان، عن ورد بن زيد أخي الكميت، قال:

  أرسلني الكميت إلى أبي جعفر، فقلت له: إن الكميت أرسلني إليك، وقد صنع بنفسه ما صنع، فتأذن له أن يمدح بني أمية؟ قال: نعم، هو في حلّ فليقل ما شاء.

  أخبرني محمد بن العباس، قال: أخبرني عمّي عن عبيد اللَّه بن محمد بن حبيب، عن ابن كناسة، قال:

  مات ورد أخو الكميت، فقيل للكميت: ألا ترثي أخاك؟ فقال: مرثيته ومرزيته عندي سواء، وإني لا أطيق أن أرثيه جزعا عليه.


(١) الإيقاع: يريد بالأيفاع الكواعب التي شارفت البلوغ.

(٢) الموشح ٣٠٧، والأغاني ١: ٣٤٨.

(٣) الهاشميات ٧١.

(٤) انظر الحاشية رقم ٢ ص ٢٤.