كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره

صفحة 83 - الجزء 17

  تولية الخزرج عمرو بن النعمان أمر حربهم

  وتابع عبد اللَّه بن أبيّ رجال من الخزرج، منهم عمرو بن الجموح الحراميّ. واجتمع كلام الخزرج على أن رأسوا عليهم عمرو بن النعمان البيّاضيّ، وولَّوه أمر حربهم، ولبثت الأوس والخزرج أربعين ليلة يتصنّعون للحرب، ويجمع بعضهم لبعض، ويرسلون إلى خلفائهم من قبائل العرب.

  حضير الكتائب يحرض الأوس على القتال

  فأرسلت الخزرج إلى جهينة وأشجع، فكان الذي ذهب إلى أشجع ثابت بن قيس بن شمّاس، فأجابوه، / وأقبلوا إليهم، وأقبلت جهينة إليهم أيضا. وأرسلت الأوس إلى مزينة، وذهب حضير الكتائب الأشهليّ إلى أبي قيس بن الأسلت، فأمره أن يجمع له أوس اللَّه، فجمعهم له أبو قيس، فقام حضير، فاعتمد على قوسه، وعليه نمرة⁣(⁣١) تشفّ عن عورته، فحرّضهم / وأمرهم بالجدّ في حربهم، وذكر ما صنعت بهم الخزرج من إخراج النّبيت وإذلال من تخلَّف من سائر الأوس، في كلام كثير.

  استجابة الأوس لما أراده حضير

  فجعل كلَّما ذكر ما صنعت بهم الخزرج وما ركبوه منهم يستشيط ويحمى، وتقلص⁣(⁣٢) خصيتاه، حتى تغيبا، فإذا كلَّموه بما يحبّ تدلَّتا حتى ترجعا إلى حالهما. فأجابته أوس اللَّه بالذي يحبّ من النّصرة والموازرة والجدّ في الحرب.

  قال هشام: فحدثني عبد المجيد بن أبي عيسى، عن خير⁣(⁣٣)، عن أشياخ من قومه: أن الأوس اجتمعت يومئذ إلى حضير بموضع يقال له الجباة⁣(⁣٤)، فأجالوا الرّأي، فقالت الأوس: إن ظفرنا بالخزرج لم نبق منهم أحدا ولم نقاتلهم كما كنا نقاتلهم. فقال حضير: يا معشر الأوس؛ ما سمّيتم الأوس إلَّا لأنكم تؤوسون⁣(⁣٥) الأمور الواسعة. ثم قال:

  يا قوم قد أصبحتم دوارا⁣(⁣٦) ... لمعشر قد قتلوا الخيارا

  يوشك أن يستأصلوا الدّيارا

  قال: ولما اجتمعت بالجباة طرحوا بين أيديهم تمرا، وجعلوا يأكلون / وحضير الكتائب جالس، وعليه بردة له قد اشتمل بها الصمّاء⁣(⁣٧)، وما يأكل معهم، ولا يدنو إلى التمر غضبا وحنقا.


(١) النمرة: بردة من صوت يلبسها الأعراب.

(٢) تقلص: تنقبض.

(٣) في أ: «عن حبر».

(٤) كذا في المختار. والجباة: ما حول البئر، أو أنه مخفف الجبأة، بمعنى الأكمة.

(٥) في «اللسان» «أوس»: وأوس قبيلة من اليمن، واشتقاقه من آس يؤوس أوسا، والاسم الإياس، وهو من العوض.

(٦) أصل الدوار صنم كانت العرب تنصبه ويجعلون موضعا حوله يدورون به، واسم ذلك الصنم والموضع الدوار، وهو بالضم، وقد يفتح. قال في «اللسان»: والأشهر في اسم الصنم دوار بالفتح. ومنه قول امرئ القيس في معلقته:

عذارى دوار في طلاء مذبّل

(٧) في «اللسان»: «اشتمال الصماء: أن تجلل جسدك بثوبك، نحو شملة الأعراب بأكسيتهم؛ وهو أن يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يردّه ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا».