نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره
  عقد الرياسة له
  فقال: يا قوم، اعقدوا لأبي قيس بن الأسلت. فقال لهم أبو قيس: لا أقبل ذلك؛ فإني لم أرأَّس على قوم في حرب قطَّ إلَّا هزموا وتشاءموا برياستي. وجعلوا ينظرون إلى حضير واعتزاله أكلهم واشتغاله بما هم فيه من أمر الحرب، وقد بدت خصيتاه من تحت البرد، فإذا رأى منهم ما يكره من الفتور والتخاذل تقلَّصتا غيظا وغضبا، وإذا رأى منهم ما يحبّ من الجدّ والتشمير في الحرب عادتا لحالهما.
  وأجابت إلى ذلك أوس مناة، وجدّوا في الموازرة والمظاهرة. وقدمت مزينة على الأوس، فانطلق حضير وأبو عامر الراهب بن صيفيّ إلى أبي قيس بن الأسلت، فقالا: قد جاءتنا مزينة، واجتمع إلينا من أهل يثرب ما لا قبل للخزرج به، فما الرّاي إن نحن ظهرنا عليهم: الإنجاز أم البقيّة؟ فقال أبو قيس: بل البقيّة، فقال أبو عامر:
  واللَّه لوددت أنّ مكانهم ثعلبا ضبّاحا(١). فقال أبو قيس: اقتلوهم حتى يقولوا: بزا بزا(٢) - كلمة كانوا يقولونها إذا غلبوا - فتشاجروا في ذلك، وأقسم حضير ألَّا يشرب الخمر أو يظهر ويهدم مزاحما أطم عبد اللَّه بن أبيّ.
  حضير الكتائب يقسم على هدم مزاحم أطم عبد اللَّه بن أبيّ
  فلبثوا شهرين يعدّون ويستعدّون، ثم التقوا ببعاث، وتخلَّف عن الأوس بنو حارثة بن الحارث، فبعثوا إلى الخزرج: إنّا واللَّه ما نريد قتالكم. / فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا برهن منكم يكونون في أيدينا، فبعثوا إليهم اثني عشر رجلا، منهم خديج، أبو رافع بن خديج.
  وبعاث: من أموال بني قريظة، فيها مزرعة يقال لها قورى؛ فلذلك تدعى بعاث الحرب(٣).
  حشد القوات
  وحشد الحيّان فلم يتخلف عنهم إلَّا من لا ذكر له. ولم يكونوا حشدوا قبل ذلك في يوم التقوا فيه، فلما رأت الأوس الخزرج أعظموهم، وقالوا لحضير: يا أبا أسيد، لو حاجزت / القوم، وبعثت إلى من تخلَّف من حلفائك من مزينة! فطرح قوسا كانت في يده، ثم قال: أنتظر مزينة، وقد نظر إليّ القوم ونظرت إليهم! الموت قبل ذلك.
  فرار الأوس من المعركة
  ثم حمل وحملوا، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت الأوس حين وجدوا مسّ السلاح، فولَّوا مصعدين في حرّة قورى نحو العويض(٤)، وذلك وجه طريق نجد.
  الخزرج يعيرون الأوس
  فنزل حضير، وصاحب بهم الخزرج: أين الفرار؟ ألا إنّ نجدا سنة - أي مجدب - يعيّرونهم.
(١) ضباحا، أي يخرج من فمه صوتا ليس بصهيل ولا حمحمة. وفي المختار: «صياحا».
(٢) في المختار: «نزا نزا».
(٣) في المختار: «بعاث الخزرج».
(٤) قوري: موضع بظاهر المدينة، وقد ضبطت في أبضم القاف. والعريض: واد بالمدينة.