نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره
  حضير يعقر نفسه ليثبت قومه
  فلما سمع حضير طعن بسنان رمحه فخذه، ونزل وصاح: واعقراه! واللَّه لا أريم(١) حتى أقتل، فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا.
  فتعطَّفت عليه الأوس، وقام على رأسه غلامان من بني عبد الأشهل، / يقال لهما: محمود ولبيد - ابنا خليفة بن ثعلبة - وهما يومئذ معرسان(٢) ذوا يطش، فجعلا يرتجزان ويقولان:
  أيّ غلامي ملك ترانا ... في الحرب إذ دارت بنا رحانا
  وعدّد الناس لنا مكانا
  مقتل عمرو بن النعمان
  فقاتلا حتى قتلا، وأقبل سهم حتى أصاب عمرو بن النعمان رأس الخزرج فقتله، لا يدرى من رمى به، إلَّا أنّ بني قريظة تزعم أنه سهم رجل يقال له أبو لبابة، فقتله.
  فبينا عبد اللَّه بن أبيّ يتردّد على بغلة له قريبا من بعاث، يتحسّس أخبار القوم، إذ طلع عليه بعمرو بن النّعمان ميّتا في عباءة، يحمله أربعة إلى داره. فلما رآه عبد اللَّه بن أبيّ قال: من هذا؟ قالوا: عمرو بن النعمان. قال: ذق وبال العقوق.
  انهزام الخزرج
  وانهزمت الخزرج، ووضعت الأوس فيهم السّلاح، وصاح صائح: يا معشر الأوس، أسجحوا(٣) ولا تهلكوا إخوتكم فجوارهم خير من جوار الثّعالب.
  قريظة والنضير تسلبان الخزرج
  فتناهت الأوس، وكفّت عن سلبهم بعد إثخان فيهم، وسلبتهم قريظة والنّضير، وحملت الأوس حضيرا من الجراح التي به، وهم يرتجزون حوله ويقولون:
  كتيبة زيّنها مولاها ... لا كهلها هدّ ولا فتاها(٤)
  تحريق الأوس نخل الخزرج ودورهم
  وجعلت الأوس تحرّق على الخزرج نخلها ودورها؛ فخرج سعد بن معاذ الأشهليّ حتى وقف على باب بني سلمة، وأجارهم وأموالهم جزاء لهم بيوم الرّعل(٥)، وكان للخزرج على الأوس يوم يقال له يوم مغلَّس(٦)
(١) لا أريم: لا أزول ولا أفارق موضعي.
(٢) المعرس، بكسر الميم: السائق الحاذق بالسياق؛ أي هما مع حذقهما ذوا بطش.
(٣) أسجحوا: أحسنوا العفو.
(٤) الهد بالكسر: الضعيف كأنه مهدود، وبالفتح الجواد كأنه يهد ماله، أي يهضمه. وفي هذه المسألة خلاف بين الأصمعي وابن الأعرابي. هامش أ.
(٥) الرعل: موضع قبل وأقم، وفيه قتلت بنو حارثة سماكا أبا حضير الكتائب، وأجلوا حضيرا وقومه عن ديارهم. البكري ٦٦١.
(٦) ديوان قيس بن الخطيم ١١٩: «وكان من أيام العرب يوم مغرس ومقبس، وهما حائطان كانا لدجبية إلى آكام بني عدي بن النجار».
والحائط: البستان.