كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره

صفحة 86 - الجزء 17

  ومضرّس. وكان⁣(⁣١) سعد بن معاذ حمل يومئذ جريحا إلى عمرو بن الجموح الحراميّ، فمنّ عليه وأجاره وأخاه يوم رعل، وهو على الأوس، من القطع والحرق، فكافأه سعد بمثل ذلك في يوم بعاث.

  وأقسم كعب بن أسد القرظيّ ليذلَّنّ عبد اللَّه بن أبيّ، وليحلقنّ رأسه تحت مزاحم؛ فناداه كعب: انزل يا عدوّ اللَّه. فقال له عبد اللَّه: أنشدك اللَّه وما خذّلت عنكم. فسأل عما قال، فوجده حقّا، فرجع عنه.

  العدول عن هدم أطم عبد اللَّه بن أبيّ

  وأجمعت الأوس على أن تهدم مزاحما أطم عبد اللَّه بن أبيّ، وحلف حضير ليهدمنّه، فكلَّم فيه، فأمرهم أن يريثوا⁣(⁣٢) فيه، فحفروا فيه كوّة. وأفلت يومئذ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شمّاس أخا بني الحارث بن الخزرج، وهي النعمة التي كافأه بها ثابت في الإسلام يوم بني قريظة.

  أبو قيس بن الأسلت لا يوافق على هدم دور الخزرج

  وخرج حضير الكتائب وأبو عامر الراهب حتى أتيا قيس بن الأسلب بعد الهزيمة، فقال له حضير: يا أبا قيس؛ إن رأيت أن تأتي الخزرج قصرا قصرا ودارا دارا، نقتل ونهدم، حتى لا يبقى منهم أحد! / فقال / أبو قيس: واللَّه لا نفعل ذلك؛ فغضب حضير، وقال: ما سمّيتم الأوس⁣(⁣٣) إلا لأنكم تؤوسون الأمر أوسا. ولو ظفرت منّا الخزرج بمثلها ما أقالوناها. ثم انصرف إلى الأوس، فأمرهم بالرجوع إلى ديارهم.

  موت حضير من جروحه

  وكان حضير جرح يومئذ جراحة شديدة، فذهب به كليب⁣(⁣٤) بن صيفيّ بن عبد الأشهل إلى منزله في بني أميّة بن زيد، فلبث عنده أيّاما ثم مات من الجراحة التي كانت به، فقبره اليوم في بني أمية بن زيد.

  يهودي أعمى يتتبع سير القتال

  وكان يهوديّ أعمى من بني قريظة يومئذ في أطم من آطامهم، فقال لابنة له: أشرفي على الأطم، فانظري ما فعل القوم، فأشرفت، فقالت: أسمع الصوت قد ارتفع في أعلى قورى، وأسمع قائلا يقول: اضربوا يا آل الخزرج. فقال: الدولة إذا على الأوس، لا خير في البقاء. ثم قال: ما ذا تسمعين؟ قالت: أسمع رجالا يقولون:

  يا آل الأوس، ورجالا يقولون: يا آل الخزرج. قال: الآن حمي القتال. ثم لبث ساعة، ثم قال: أشرفي فاسمعي، فأشرفت، فقالت: أسمع قوما يقولون:

  نحن بنو صخرة أصحاب الرّعل

  قال: تلك بنو عبد الأشهل، فظفرت واللَّه الأوس - وصخرة أمّهم بنت مرّة بن ظفر أمّ بني عبد الأشهل - ثم وثب فرحا نحو باب الأطم فضرب رأسه بحلق بابه⁣(⁣٥)، وكان من حجارة فسقط فمات.


(١) في أ: «وهو أن سعد بن معاذ».

(٢) الريث: الإبطاء، وفي المختار: «يؤثروا».

(٣) في أ: «ما سميتم الأوس أوسا».

(٤) في المختار: «طلبة بن صيفي».

(٥) في هامش أ: «حاق بابه: عضادة الباب»، وفي المختار: «بحاف بابه».