خبر مقتل حجر بن عدي
  وجاء القوم في طلبه، ثم انتهوا إلى تلك الدار، فأخذ سليمان بن يزيد سيفه، ثم ذهب ليخرج إليهم، فبكت بناته، فقال له حجر: ما تريد؟ لا أبا لك! فقال [له]: أريد واللَّه أن ينصرفوا عنك؛ فإن فعلوا وإلَّا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك. فقال له حجر: بئس واللَّه إذن ما دخلت به على بناتك! أما في دارك هذه حائط أقتحمه أو خوخة(١) أخرج منها، عسى اللَّه أن يسلَّمني / منهم ويسلَّمك؛ فإنّ القوم إن لم يقدروا عليّ في دارك لم يضرّك(٢) أمرهم. قال: بلى، هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر من كندة، فخرج معه فتية من الحيّ يقصّون له الطريق، ويسلكون به الأزقّة، حتى أفضى إلى النخع، فقال عند ذلك: انصرفوا، رحمكم اللَّه.
  يدخل دار عبد اللَّه بن الحارث ثم يخرج منها إلى دار ربيعة بن ناجذ
  فانصرفوا عنه، وأقبل إلى دار عبد اللَّه بن الحارث أخي الأشتر، فدخلها، فإنه لكذلك قد ألقى له عبد اللَّه الفرش، وبسط له البسط، وتلقّاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له: إن الشّرط تسأل عنك في النخع وذلك أنّ أمة سوداء يقال لها أدماء لقيتهم فقالت لهم: من تطلبون؟ قالوا: نطلب حجرا، فقالت: هو ذا قد رأيته في النخع، فانصرفوا نحو النخع؛ فخرج متنكَّرا، وركب معه عبد اللَّه ليلا حتى أتى دار ربيعة بن ناجذ(٣) الأزديّ، فنزل بها، فمكث يوما وليلة.
  زياد يأمر محمد بن الأشعث أن يأتيه بحجر
  فلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد محمد بن الأشعث فقال: أما واللَّه لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلَّا قطعتها، ولا دارا إلَّا هدمتها، / ثم لا تسلم منّي بذلك حتى أقطَّعك إربا إربا. فقال له: أمهلني أطلبه. قال: قد أمهلتك ثلاثا، فإن جئت به وإلَّا فاعدد نفسك من الهلكى. وأخرج محمد نحو السجن وهو منتقع اللون يتلّ تلَّا عنيفا(٤). فقال حجر بن يزيد الكنديّ من بني مرّة لزياد: ضمّنّيه وخلّ سبيله ليطلب صاحبه، فإنه مخلى سربه(٥) / أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسا. قال: أتضمنه لي؟ قال: نعم. قال: أما واللَّه لئن حاص(٦) عنك لأوردنّك(٧) شعوب، وإن كنت الآن عليّ كريما. قال: إنه لا يفعل. فخلَّى سبيله.
  ثم إنّ حجر بن يزيد كلَّمه في قيس بن يزيد، وقد أتي به أسيرا، فقال: ما عليه من بأس، قد عرفنا رأيه في عثمان ¥، وبلاءه مع أمير المؤمنين بصفّين، ثم أرسل إليه فأتي به، فقال: قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنّك ترى رأيه، ولكن قاتلت معه حميّة، وقد غفرنا لك لما نعلمه من حسن رأيك، ولكن لا أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير. قال: آتيك به إن شاء اللَّه. قال: هات من يضمنه معك. قال: هذا حجر بن يزيد. قال حجر: نعم، على أن تؤمّنه على ماله ودمه. قال: ذلك لك.
  فانطلقا فأتيا به، فأمر به فأوقر حديدا، ثم أخذته الرجال ترفعه، حتى إذا بلغ سررها ألقوه، فوقع على
(١) الخوخة: باب صغير في باب كبير، أو مخرج خلف الدار.
(٢) أ: «لم يضروك».
(٣) الطبري: «ناجد».
(٤) تله: صرعه، أو ألقاه على عنقه وخده.
(٥) المختار: «سبيله»، والمثبت يوافق ما في الطبري أيضا.
(٦) حاص: عدل.
(٧) في المختار: «لأزبرن بك شعوبا»، وفي الطبري: «لأزيرنك شعوب». وشعوب: اسم للمنية.