كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الحطيئة ونسبه

صفحة 436 - الجزء 2

  / وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ولا يرى إنسانا، إذ اطَّلع في ركيّ⁣(⁣١) أو حوض فرأى وجهه فقال:

  أرى لي وجها شوّه اللَّه خلقه ... فقبّح من وجه وقبّح حامله

  قدم المدينة فجمعت له قريش العطايا خوفا من شره

  نسخت من كتاب الحرميّ بن أبي العلاء: حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمّي قال:

  قدم الحطيئة المدينة فأرصدت⁣(⁣٢) قريش له العطايا خوفا من شرّه، فقام في المسجد فصاح: من يحملني على بغلين.

  أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبو عبيدة والمدائنيّ ومصعب:

  كان الحطيئة سؤولا جشعا، فقدم المدينة وقد أرصدت له قريش العطايا، والناس في سنة مجدبة وسخطة من خليفة، فمشى أشراف أهل المدينة بعضهم إلى بعض، فقالوا: قد قدم علينا هذا الرجل وهو شاعر، والشاعر يظنّ فيحقّق، وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله، فإن أعطاه جهد نفسه بهرها⁣(⁣٣)، وإن حرمه هجاه، فأجمع رأيهم على أن يجعلوا له شيئا معدّا يجمعونه بينهم له، فكان أهل البيت من قريش والأنصار يجمعون له العشرة والعشرين والثلاثين دينارا⁣(⁣٤) حتى جمعوا له أربعمائة دينار، وظنوا أنهم قد أغنوه، فأتوه فقالوا له: هذه صلة آل فلان وهذه صلة آل فلانو هذه صلة آل فلان، فأخذها؛ فظنوا أنهم قد كفّوه عن المسئلة، فإذا هو يوم الجمعة قد استقبل الإمام ماثلا⁣(⁣٥) ينادي: من يحملني على بغلين وقاه اللَّه كبّة⁣(⁣٦) جهنّم.

  كان متين الشعر وليس في شعره مطعن

  ووصف أبو عبيدة ومحمد بن سلَّام شعر الحطيئة فجمعت متفرّق ما وصفاه به في هذا الخبر، أخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلَّام وابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قالا:

  طلب من كعب بن زهير أن يقول شعرا يضعه فيه بعده فقال، وهجاه لذلك مزرد بن ضرار

  كان الحطيئة متين الشعر، شرود⁣(⁣٧) القافية، وكان دنئ النفس، وما تشاء أن تطعن في شعر شاعر إلا وجدت فيه مطعنا، وما أقلّ ما تجد ذلك في شعره. قالا: فبلغ من دناءة نفسه أنه أتى كعب بن زهير - وكان الحطيئة راوية زهير / وآل زهير - فقال له: قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو


(١) الركيّ: البئر.

(٢) أرصدت: أعدّت.

(٣) أي كلف نفسه فوق طاقتها.

(٤) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الدينار» بأل وهو خطأ عربية.

(٥) من مثل يمثل إذا انتصب قائما.

(٦) أورد ابن الأثير في «النهاية» في مادة كب وصاحب «اللسان» في مادتي كب وقلب قول معاوية حين احتضر وكان يقلَّب على فراشه:

«إنكم لتقلبون حوّلا قلبا إن وقي كبة النار» ثم قالا: الكبة بالفتح: شدّة الشيء ومعظمه، وكبة النار: صدمنها.

(٧) يقال: قافية شرود: سائرة في البلاد تشرد كما يشرد البعير.