كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب الربيع بن زياد

صفحة 121 - الجزء 17

  وكان⁣(⁣١) الربيع ينادم النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر، يقال له: سرجون⁣(⁣٢) بن نوفل، وكان حريفا للنعمان - يعني سرجون - يبايعه، وكان أديبا حسن الحديث والمنادمة، فاستخفّه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسيّ - متطبّب كان له - وإلى الربيع بن زياد، وكان يدعى الكامل.

  فلما قدم الجعفريّون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم، وذكر معايبهم، ففعل ذلك بهم مرارا، وكانت بنو جعفر له أعداء، فصدّه عنهم، فدخلوا عليه يوما فرأوا منه تغيّرا وجفاء، وقد كان / يكرمهم قبل ذلك ويقرّب مجلسهم، فخرجوا من عنده غضابا، ولبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم، ويغدو بإبلهم كلّ صباح، فيرعاها، فإذا أمسى انصرف بإبلهم، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع، وما يلقون منه؛ فسألهم فكتموه، فقال لهم: واللَّه لا أحفظ لكم متاعا، ولا أسرّح لكم بعيرا أو تخبروني.

  وكانت أمّ لبيد امرأة من بني عبس، وكانت يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، وصدّ عنّا وجهه، فقال لهم لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بينه وبيني فأزجره عنكم بقول ممضّ، ثم لا يلتفت / النعمان إليه بعده أبدا. فقالوا: وهل عندك من ذلك شيء؟ قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدّامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التّربة⁣(⁣٣) - فقال: هذه التّربة التي لا تذكى نارا، ولا تؤهل دارا، ولا تسرّ جارا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، بلدها شاسع، ونبتها خاشع، وآكلها جائع، والمقيم عليها ضائع، أقصر البقول فرعا، وأخبثها مرعى، وأشدّها قلعا، فتعسا لها وجدعا، ألقوا بي أخا بني عبس، أرجعه عنكم بتعس ونكس، وأتركه من أمره في لبس.

  فقالوا: نصبح فنرى فيك رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم؛ فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء، وإنما يتكلَّم بما جاء على لسانه، ويهذي بما يهجس في خاطره، وإذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم. فرمقوه بأبصارهم، فوجدوه قد ركب رحلا، فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح.

  فلما أصبحوا قالوا: أنت واللَّه صاحبنا، فحلقوا رأسه، وتركوا / ذؤابتين، وألبسوه حلَّة، ثم غدوا به معهم على النعمان، فوجدوه يتغدّى ومعه الرّبيع وهما يأكلان، ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوءة من الوفود.

  فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، ويقول⁣(⁣٤):

  يا ربّ هيجا هي خير من دعه ... أكلّ يوم هامتي مقزّعة⁣(⁣٥)


(١) في أ، م بدلا من الأخبار التي تبدأ بقوله: وكان الربيع إلى قوله في صفحة ١٨٧: «وأما الشعر الذي فيه الغناء» قوله: قال أبو الفرج:

قد ذكرت هذا القول مستقصى في «أخبار لبيد» فلا فائدة في ذكره ها هنا.

(٢) ب، س: سرحون: بالحاء المهملة. وما أثبتناه من ح. وفي أخبار لبيد ج ١٥/ ٣٦٣ من «الأغاني» طبع دار الكتب: «زرجون بن توفيق».

(٣) التربة: نبت سهلي مفرّض الورق، وقيل: هي شجرة شاكة، وثمرتها كأنها بسرة معلقة، منبتها السبل والحزن وتهامة. «اللسان» (ترب).

(٤) ديوان لبيد ٣٤٠، والخزانة ٤: ٨.

(٥) القزع: تساقط الشعر والصوف وبقاء بعضه.