كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب الربيع بن زياد

صفحة 126 - الجزء 17

  قطَّ إلَّا إلى شرّ. ثم أتى بني بدر، فسألهم المواضعة، فقالوا: لا، حتى نعرف سبقنا؛ فإن أخذنا فحقّنا، وإن تركنا فحقّنا.

  فغضب قيس ومحك⁣(⁣١)، وقال: أما إذ فعلتم فأعظموا الخطر، وأبعدوا الغاية، قالوا: فذلك لك. فجعلوا الغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وذلك مائة غلوة، والثّنيّة فيما بينهما، وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد، يقال له حصين، ويقال: رجل من بني العشراء من بني فزارة، وهو ابن أخت لبني عبس، وملئوا البركة ماء، وجعلوا السابق أوّل الخيل يكرع فيها.

  ثم إن حذيفة بن بدر وقيس بن زهير أتيا المدى الذي أرسلن منه ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه. فلما أرسلت عارضاها⁣(⁣٢)، فقال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال: ترك الخداع من أجرى من مائة؛ فأرسلها مثلا.

  ثم ركضا ساعة فجعلت خيل حذيفة تبرّ وخيل قيس⁣(⁣٣) تقصّر، فقال / حذيفة: سبقتك يا قيس، فقال: جري المذكَّيات غلاب⁣(⁣٤)، فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة، فقال حذيفة: إنك لا تركض مركضا، فأرسلها مثلا. وقال:

  سبقت خيلك يا قيس، فقال قيس: رويدا يعلون الجدد، فأرسلها مثلا.

  قال: وقد جعل بنو فزارة كمينا بالثنيّة، فاستقبلوا داحسا فعرفوه فأمسكوه وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلَّية، حتى مضت الخيل واستهلَّت من الثنيّة، ثم أرسلوه فتمطَّر⁣(⁣٥) في آثارها؛ أي أسرع، فجعل يبدرها فرسا فرسا حتى سبقها إلى الغاية مصلَّيا، وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية لسبقها؛ فاستقبلها بنو فزارة فلطموها، ثم حلَّئوها⁣(⁣٦) عن البركة، ثم لطموا داحسا وقد جاءا متواليين. وكان الذي لطمه عمير بن نضلة، فجسأت⁣(⁣٧) يده؛ فسمّي جاسئا.

  فجاء قيس وحذيفة في آخر الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم، ولطموا أفراسهم، ولم تطقهم⁣(⁣٨) بنو عبس يقاتلونهم، وإنما كان من شهد ذلك من بني عبس أبياتا غير كثيرة، فقال قيس بن زهير: يا قوم، إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شرّا من الظلم، فأعطونا حقّنا، فأبت بنو فزارة / أن يعطوهم شيئا - وكان الخطر⁣(⁣٩) عشرين من الإبل - فقالت بنو عبس: أعطونا / بعض سبقنا، فأبوا، فقالوا: أعطونا جزورا ننحرها نطعمها أهل الماء؛ فإنا نكره القالة في العرب. فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزور واحد سواء، واللَّه ما كنّا لنقرّ لكم بالسبق علينا، ولم نسبق.

  فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم، إنّ قيسا كان كارها لأوّل هذا الرهان، وقد أحسن في آخره،


(١) محك: لجّ.

(٢) أ: «عارضها».

(٣) كذا في المختار والنقائض، وفي أ: «خيل زهير».

(٤) هامش أ: «ويروى: غلاء، من المعالاة»، وفي «القاموس»: كل مرماة غلوة وجمعها غلوات وغلاء، وفي المثل: جرى المذكيات غلاء.

(٥) في «القاموس»: تمطرت الخيل: جاء يسبق بعضها بعضا. وتمطرت الطير: أسرعت.

(٦) حلئوها: منعوها.

(٧) جسأت يده: صلبت، وفي المختار والنقائض: «فجفت».

(٨) في المختار والنقائض: «ولو يطيقهم بنو عبس لقاتلوهم».

(٩) الخطر: السبق.