كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب الربيع بن زياد

صفحة 129 - الجزء 17

  فلما سار الربيع دسّ حذيفة في أثره فوارس، فقال: اتبعوه، فإذا مضت⁣(⁣١) ثلاث ليال فإنّ معه فضلة من خمر، فإن وجدتموه قد أهراقها⁣(⁣٢) فهو جادّ وقد مضى، فانصرفوا، وإن لم تجدوه قد أراقها فاتبعوه؛ فإنكم تجدونه قد مال لأدنى منزل، فرتع وشرب فاقتلوه، فتبعوه فوجدوه قد شقّ الزّقّ ومضى، فانصرفوا.

  فلما أتى الربيع قومه، وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء؛ وذلك أنّ الربيع ساوم قيس بن زهير في درع كانت عنده، فلما نظر إليها وهو راكب وضعها بين يديه، ثم ركض بها فلم يردّها على قيس، فعرض / قيس لفاطمة ابنة الخرشب الأنمارية - من أنمار بن بغيض، وهي إحدى منجبات قيس، وهي أمّ الربيع - وهي تسير في ظعائن من عبس، فاقتاد جملها، يريد أن يرتهنها بالدّرع حتى يردّ عليه، فقالت: ما رأيت كاليوم فعل رجل! أي قيس، ضلّ حلمك! أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد وقد أخذت أمّهم! فذهبت بها يمينا وشمالا! فقال الناس في ذلك ما شاؤوا! وحسبك من شرّ سماعه، فأرسلتها مثلا. فعرف قيس بن زهير ما قالت له، فخلَّى سبيلها، وأطرد إبلا لبني زياد، فقدم بها مكَّة، فباعها من عبد اللَّه بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة القرشيّ، وقال في ذلك قيس بن زهير⁣(⁣٣):

  ألم يبلغك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد

  ومحبسها على القرشيّ تشرى ... بأدراع وأسياف حداد

  كما لاقيت من حمل بن بدر ... وإخوته على ذات الإصاد

  / هم فخروا عليّ بغير فخر ... وذادوا دون غايته جوادي

  وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآد⁣(⁣٤)

  بداهية تدقّ الصّلب منه ... فتقصم أو تجوب عن الفؤاد⁣(⁣٥)

  وكنت إذا أتاني الدّهر ربق ... بداهية شددت لها نجادي

  الربق: ما يتقلَّده.

  /

  ألم تعلم بنو الميقاب أنّى ... كريم غير منغلث الزّناد⁣(⁣٦)

  الوقب: الأحمق، والميقاب: التي تلد الحمقى، والمنغلث: الذي ليس بمنتقى.

  أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي دواد

  جاره: يعني ربيعة الخير بن قرط بن سلمة بن قشير، وجار أبي دواد يقال له: الحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، وكان أبو دواد في جواره، فخرج صبيان الحيّ يلعبون في غدير، فغمس الصّبيان ابن أبي دواد فيه


(١) في س: «فإذا مضوا» والمثبت من أوالنقائض.

(٢) أهراقها: أسالها.

(٣) النقائض ٩٠.

(٤) نآد: شديدة.

(٥) س: «تجوب على الفؤاد»، وجاب الشيء جوبا: خرقه، والمثبت ما في أوالنقائض والمختار.

(٦) أ: «كريه يوم ملحمة جلادي». وفي هامشه من نسخة: «غير منفلت»، وفي المختار والنقائض: «غير مغتلث»، ويروى: «معتلث»، وفي «اللسان»: اعتلثت الزند: انتخبته من شجرة لا يدري: أيورى أم لا! واعتلث السهم، بالعين المهملة: أخذه من عرض الشجر.