كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الحطيئة ونسبه

صفحة 438 - الجزء 2

  يزيل القتاد جذبها بأصوله ... إذا أصبحت مقورّة⁣(⁣١) خرصات⁣(⁣٢)

  دخل في حفل عند سعيد بن العاص فأنكره الناس ثم عرف فكرّم

  أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن التّوّزيّ عن أبي عبيدة قال: بينا سعيد بن العاص يعشّي الناس بالمدينة والناس يخرجون أوّلا أوّلا، إذ نظر على بساطه إلى رجل قبيح المنظر، رثّ الهيئة، جالس⁣(⁣٣) مع أصحاب سمره، فذهب الشّرط يقيمونه فأبى أن يقوم، وحانت من سعيد التفاتة فقال: دعوا الرجل، فتركوه؛ وخاضوا في أحاديث العرب وأشعاره مليّا؛ فقال لهم الحطيئة: واللَّه ما أصبتم جيّد الشعر ولا شاعر العرب؛ فقال له سعيد: أتعرف من ذلك شيئا؟ قال: نعم؛ قال: فمن أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:

  لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام

  وأنشدها حتى أتى عليها؛ فقال له: من يقولها؟ قال: أبو داود الإياديّ؛ قال: ثم من؟ قال: الذي يقول:

  أفلح⁣(⁣٤) بما شئت فقد يدرك بال ... جهل⁣(⁣٥) وقد يخدّع الأريب

  ثم أنشدها حتى فرغ منها؛ قال: ومن يقولها؟ قال عبيد بن الأبرص؛ قال: ثم من؟ قال: واللَّه لحسبك بي عند رغبة أو رهبة إذا رفعت إحدى رجليّ على الأخرى ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل الصّادي؛ قال: ومن أنت؟ قال: الحطيئة؛ قال: فرحّب به سعيد، ثم قال: أسأت بكتماننا نفسك منذ الليلة؛ ووصله وكساه.

  قدم على عتيبة بن النهاس فلم يكرمه ثم. عرّف به فأكرمه

  ومضى لوجهه إلى عتيبة بن النّهّاس العجليّ فسأله؛ فقال له: ما أنا على عمل فأعطيك / من عدده، ولا في مالي فضل عن قومي؛ قال له: / فلا عليك، وانصرف. فقال له بعض قومه: لقد عرّضتنا ونفسك للشر! قال: وكيف! قالوا: هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء؛ فقال ردّوه: فردّوه إليه، فقال له: لم كتمتنا⁣(⁣٦) نفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا! اجلس فلك عندنا ما يسرّك؛ فجلس فقال له: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:

  ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفرّه⁣(⁣٧) ومن لا يتّق الشّتم يشتم


(١) كذا في جميع الأصول و «الديوان». والمقورّة هنا: المهازيل، ويقال أيضا على السمان، فهو من أسماء الأضداد. وفي «اللسان» مادّة خرص «مقرورة» من القرّ وهو البرد.

(٢) كذا في «الديوان»، والخرصة: الجائعة المقرورة. وفي جميع الأصول: «خورات» من الخور وهو الضعف.

(٣) كذا في نسخة ط وهو وصف آخر لرجل، وفي سائر النسخ: «جالسا» وهو صحيح أيضا على أنه حال من رجل لأن النكرة إذا وصفت صح فيما يذكر بعد أن يكون حالا منها.

(٤) كذا في أو «اللسان» ونسخة «المعلقات بشرح التبريزيّ». وأفلح من الفلاح وهو البقاء أي عش بما شئت من عقل وحمق، فقد يرزق الأحمق ويحرم العاقل، أو من الفلاح وهو الفوز والظفر. وفي م: «أفلج» بالجيم وهو بمعنى أفلح أي فز واظفر. وفي بقية الأصول: «أدرك».

(٥) كذا في جميع الأصول. وفي «المعلقات»: «فقد يبلغ بالضعف». وفي «اللسان» مادّة فلح: «فقد يبلغ بالنوك».

(٦) في م، ب، س: «كتمت نفسك».

(٧) يفره: يتمه ولا ينقصه، ويستعمل وفر لازما فيقال: وفر عرضه وفرا ووفورا أي كرم ولم يبتذل. وقد يتعدّى لمفعولين فيقال وفره