خبر الحطيئة ونسبه
  فقال له عتيبة: إنّ هذا من مقدّمات أفاعيك؛ ثم قال لوكيله: اذهب معه إلى السّوق فلا يطلب شيئا إلا اشتريته له؛ فجعل يعرض عليه الخزّ ورقيق الثياب فلا يريدها ويومئ إلى الكرابيس(١) والأكسية الغلاظ فيشتريها له حتى قضى أربه ثم مضى؛ فلما جلس عتيبة في نادي قومه أقبل الحطيئة، فلما رآه عتيبة قال: هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرّك؛ قال: كنت قلت بيتين فاستمعهما ثم أنشأ يقول:
  سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا ... فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد
  وأنت امرؤ لا الجود منك سجيّة ... فتعطى ولا(٢) يعدي على النائل الوجد(٣)
  ثم ركض فرسه فذهب.
  ليس في شعره مطعن
  أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد البوشنجي(٤) قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن عمرو الجرجرائيّ(٥) عن أبي صفوان الأحوزيّ(٦) قال:
  ما من أحد إلا لو أشاء أن أجد في شعره مطعنا لوجدته إلا الحطيئة.
  أنشد إسحاق من شعره وقال أنه أشعر الشعراء بعد زهير
  وفتيان صدق من عديّ عليهم ... صفائح بصرى علَّقت بالعواتق
  إذا ما دعوا لم يسألوا من دعاهم ... ولم يمسكوا فوق القلوب الخوافق
  وطاروا إلى الجرد العتاق فألجموا ... وشدّوا على أوساطهم بالمناطق
  أولئك آباء الغريب وغاثة الصّ ... ريخ ومأوى المرملين الدّرادق(٧)
  أحلَّوا حياض الموت(٨) فوق جباههم ... مكان النّواصي من وجوه السّوابق
  ويروى:
= عرضه أي لم يشتمه كأنه أبقاه له كثيرا طيبا لم ينقصه بشتم
(١) الكرابيس: جمع كرباس وهو ثوب من القطن الأبيض، فارسيّ معرّب.
(٢) في م، أ، ء و «خزانة البغدادي» (ج ١ ص ٤١١) و «الديوان» و «لسان العرب» مادة «عدا»: «وقد يعدي». ويعدي: بعين.
(٣) الوجد مثلث الواو: اليسار والسعة.
(٤) نسبة إلى بوشنج: بليدة نزهة خصيبة في واد مشجر من نواحي هراة بينهما عشرة فراسخ.
(٥) نسبة إلى جرجرايا: بلدة من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد، والنسبة إليها جرجرائي كما في «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال» في الكلام على محمد بن الصباح الجرجرائي.
(٦) كذا في ب، س. وفي أ، م: «الأجوزيّ». وفيء: «الأحوذيّ» ولم نهتد لتصحيح هذا الاسم.
(٧) الدرادق: الصبيان الصغار، واحده دردق.
(٨) كذا فيء، أ، م. وفي باقي النسخ: «حياض المجد» وإضافة الحياض إلى الموت معروفة، ويكنى بها عن المنية كما في شعر كعب بن زهير:
لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
وقد قال المحبّي في كتابه «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه»: وقد شاع ذلك حتى صار كالحقيقة فيقال هو في الحياض كما يقال في النزع والغرغرة.