كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر شريح ونسبه وخبره

صفحة 141 - الجزء 17

  وله أخبار في قضايا كثيرة يطول ذكرها، وفيها ما لا يستغنى عن ذكره، منها محاكمة أمير المؤمنين عليّ # إليه في الدّرع.

  يقضي بين علي وبين يهودي أخذ درعه

  حدثني به عبد اللَّه بن محمد بن إسحاق بن أخت داهر بن نوح بالأهواز، قال: حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجليّ، قال: حدثني حكيم بن حزام، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، قال:

  عرف عليّ ~ درعا مع يهوديّ، فقال: يا يهوديّ، درعي سقطت منّي يوم كذا وكذا، فقال اليهوديّ: ما أدري ما تقول! درعي وفي يدي، بيني وبينك قاضي المسلمين.

  فانطلقا إلى شريح، فلما رآه شريح قام له عن مجلسه، فقال له عليّ: اجلس. فجلس شريح، ثم قال: إنّ خصمي لو كان مسلما لجلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول اللَّه يقول: لا تساووهم في المجلس، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشيّعوا جنائزهم، واضطرّوهم إلى أضيق الطرق، وإن سبّوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم فاقتلوهم. ثم قال: درعي عرفتها مع هذا اليهوديّ.

  فقال شريح لليهوديّ: ما تقول؟ قال: درعي وفي يدي.

  قال شريح: صدقت واللَّه يا أمير المؤمنين، إنها لدرعك كما قلت، ولكن لا بدّ من شاهد؛ فدعا قنبرا فشهد له، ودعا الحسن بن عليّ، فشهد / له، / فقال: أمّا شهادة مولاك فقد قبلتها، وأما شهادة ابنك لك فلا. فقال عليّ: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول اللَّه يقول إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة.

  قال: اللهم نعم، قال: أفلا تجيز شهادة أحد سيّدي شباب أهل الجنة! واللَّه لتخرجنّ إلى بانقيا فلتقضينّ بين أهلها أربعين يوما. ثم سلَّم الدّرع إلى اليهودي.

  فقال اليهوديّ: أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه، فقضى عليه، فرضي به، صدقت إنها لدرعك، سقطت منك يوم كذا وكذا عن جمل أورق فالتقطتها، وأنا أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه وأنّ محمدا رسول اللَّه. فقال عليّ #: هذه الدّرع لك، وهذه الفرس لك، وفرض له في تسعمائة، فلم يزل معه حتى قتل يوم صفّين.