أخبار الحطيئة مع سعيد بن العاص
  لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
  من رجال من الأقارب بانوا ... من جذام هم الرؤوس الكرام
  سلَّط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صوى(١) المقابر هام
  وكذاكم سبيل كلّ أناس ... سوف حقّا تبليهم الأيام
  قال: ويحك! من يقول هذا الشعر؟ قال: أبو دواد الإياديّ، قال: أو ترويه؟ قال: نعم، قال: فأنشدنيه، فأنشده الشعر كلَّه، قال: ومن الثاني؟ قال: الذي يقول(٢):
  أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض ... عف وقد يخدع الأريب
  قال: ومن يقول هذا؟ قال: عبيد، قال: أو ترويه؟ قال: نعم، قال: فأنشدنيه، فأنشده، ثم قال له: ثمّ من؟
  قال: واللَّه لحسبك بي عند رهبة أو رغبة، إذا وضعت إحدى رجليّ على الأخرى، ثم رفعت عقيرتي بالشّعر، ثم عويت على أثر القوافي عواء الفصيل الصادر عن الماء.
  / قال: ومن أنت؟ قال: الحطيئة، قال: ويحك! قد علمت تشوّقنا إلى مجلسك، وأنت تكتمنا نفسك منذ الليلة! قال: نعم لمكان هذين الكلبين عندك، وكان عنده كعب بن جعيل، وأخوه. وكان عنده / سويد بن مشنوء النّهديّ، حليف بني عديّ بن جناب الكلبيّين، فأنشده الحطيئة قوله(٣):
  ألست بجاعلي كابني جعيل ... هداك اللَّه أو كابني جناب(٤)
  أدبّ فلا أقدّر أن تراني(٥) ... ودونك بالمدينة ألف باب
  وأحبس بالعراء المحل بيتي ... ودونك عازب ضخم الذباب(٦)
  العازب: الكلأ الذي لم يرع، وقد التفّ نبته.
  فقال له سعيد: لعمر اللَّه لأنت أشعر عندي منهم، فأنشدني، فأنشده(٧):
  سعيد وما يفعل سعيد فإنه ... نجيب فلاه في الرّباط نجيب(٨)
  سعيد فلا يغررك قلَّة لحمه ... تخدّد عنه اللحم فهو صليب
  ويروى: خفّة لحمه.
  إذا غاب عنّا غاب عنا ربيعنا ... ونسقى الغمام الغرّ حين يؤوب
  فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... إذا الريح هبّت والمكان جديب
(١) الصوى: القبور أو علاماتها. وفي النسخ: «صدى»، تحريف.
(٢) ديوان عبيد ١٤.
(٣) ديوانه ٤٢.
(٤) بنو جعيل من تغلب، وبنو جناب من كلب.
(٥) الديوان: «أدب وراء نقدة أن تراني». قال: ونقدة: اسم مكان.
(٦) كذا في أ، م والديوان، وفي ب، س، ج: وبيتك عازب صخب. يقول: أقيم بالمحل ولا أدنو إليك هيبة لك.
(٧) ديوانه ٤٢.
(٨) فلاه: ولده أو رباه. والرباط: الحرب. والرباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدو. والبيت في «اللسان» (فلا).