خبر الحطيئة ونسبه
  غدا باغيا يبغي رضاها وودّها ... وغابت له غيب امرئ غير ناصح
  دعت ربّها ألَّا يزال بفاقة ... ولا يغتدي إلا على(١) حدّ(٢) بارح(٣)
  قال فأجابه صخر بن أعيى فقال:
  ألا قبّح الحطيئة إنه ... على كلّ ضيف ضافه هو سالح(٤)
  / دفعت إليه وهو يخنق كلبه ... ألا كلّ كلب لا أبا لك نابح
  بكيت على مذق(٥) خبيث قريته ... ألا كلّ عبسيّ على الزاد شائح(٦)
  قال أبو عبيدة وهجا الحطيئة أيضا رجلا من أضيافه فقال:
  وسلَّم مرّتين فقلت مهلا ... كفتك المرّة الأولى السّلاما
  / ونقنق(٧) بطنه ودعا رؤاسا(٨) ... لما قد نال من شبع وناما
  أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلَّام عن يونس أن الحطيئة خرج في سفر له ومعه امرأته أمامة وابنته مليكة، فنزل منزلا وسرح ذودا له ثلاثا، فلما قام للرّواح فقد إحداها فقال:
  أذئب القفر أم ذئب أنيس ... أصاب البكر(٩) أم حدث الليالي
  ونحن ثلاثة وثلاث ذود(١٠) ... لقد جار الزمان على عيالي
  أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد عن أبيه قال قال أبو عمرو بن العلاء: لم تقل العرب بيتا قطَّ أصدق من بيت الحطيئة:
  من يفعل الخير لا يعدم جوازيه(١١) ... لا يذهب العرف بين اللَّه والنّاس
= حمراء تحدث في العين) أو عود. وهذه رواية أغلب الأصول. وفي ح: «مطروفة الودّ» وهي رواية الجوهريّ في «الصحاح». انظر «اللسان» (مادة طرف).
(١) كذا في «ديوانه». وفي جميع الأصول: «رأي».
(٢) كذا في جميع النسخ ونحن وإن كنا لا نخليه من معنى (وهو ولا يغتدي إلا على جهة بارح وناحيته) إلا أنا نرى أن من المحتمل تحريفه عن الجدّ (بالجيم المعجمة) بمعنى الحظ.
(٣) البارح: ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك، والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف، وضدّه السانح وهو ما مر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد.
(٤) كذا في ط. وفي باقي الأصول: «هو سانح» بالنون بدل اللام، وهو من سنح عليه إذا أحرجه وأصابه بشرّ.
(٥) مذق: بمعنى ممذوق، يقال: لبن مذق أي مخلوط بالماء.
(٦) شائح: حذر.
(٧) كذا في ح و «الديوان»، ونقنق: قرقر. وفي ب، س: «ونفق» وهو تحريف. وجاءت في باقي الأصول خالية من الإعجام.
(٨) رؤاس: من بني كلاب، يقول: حين شبع أشر ونادى: يا لبني رؤاس (انظر ص ٢٢٢ من «شرح ديوان الحطيئة» طبع ليبسك رقم ١١٨٩ أدب بدار الكتب المصرية).
(٩) البكر من الإبل بمنزلة الفتيّ من الناس، يقال على الذكر والأنثى. والبكر أيضا: الناقة التي ولدت بطنا واحدا.
(١٠) الذود: الثلاث من الإبل إلى العشر، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. وفي «اللسان» مادة ذود: وقد قالوا: «ثلاث ذود يعنون ثلاث أينق» كما يقال ثلاثة نفر وتسعة رهط يراد نفرهم ثلاثة ورهط هم تسعة.
(١١) جوازيه: جمع جازية اسم مصدر للجزاء كالعافية.