كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

حلف الفضول

صفحة 191 - الجزء 17

  وناديت قومي بارقا لتجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب

  ورجل آخر من زبيد يستجير بقريش

  / ثم قدم رجل من بني زبيد، فاشترى منه رجل من بني سهم يقال له: حذيفة سلعة، وظلمه حقّه، فصعد الزبيديّ⁣(⁣١) على أبي قبيس، ثم نادى بأعلى صوته:

  يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكَّة نائي الحيّ والنّفر

  يا آل فهر لمظلوم ومضطهد ... بين المقام وبين الركن والحجر

  إنّ الحرام لمن تمّت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

  فأعظم الزّبير بن عبد المطلب ذلك، وقال: يا قوم، إني واللَّه لأخشى أن يصيبنا ما أصاب الأمم السالفة من ساكني مكَّة، فمشى إلى ابن جدعان، وهو يومئذ شيخ قريش، فقال له في ذلك، وأخبره بظلم بني سهم وبغيهم، وقد كان أصاب بني سهم أمران لا يشكّ أنهما للبغي: احتراق المقاييس منهم، وهم قيس ومقيس وعبد قيس بصاعقة، وأقبل منهم ركب من الشام، فنزلوا بماء يقال له القطيعة⁣(⁣٢)، فصبّوا فضلة خمر لهم في إناء، وشربوا ثم ناموا، وقد بقيت منهم بقية فكرع منها حيّة أسود، ثم تقيأ في الإناء، فهبّ القوم فشربوا منه، فماتوا عن آخرهم، فأذكره هذا ومثله، فتحالف بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وبنو تيم: باللَّه الغالب⁣(⁣٣)، إنا ليد واحدة على الظالم، حتى يردّ الحق.

  وخرج سائر قريش من هذا الحلف. إلا أنّ ابن الزبير ادّعاه لبني أسد في الإسلام. قال: فأخبرني الواقديّ وغيره أن محمد بن جبير بن مطعم دخل على عبد الملك بن مروان، فسأله عن حلف الفضول فقال: أما أنا وأنت / يا أمير المؤمنين فلسنا فيه، فقال: صدقت واللَّه، إني لأعرفك بالصدق، قال: فإنّ ابن الزبير يدّعيه، فقال: ذاك هو الباطل.

  قال: وكان عتبة بن ربيعة يقول: لو أنّ رجلا خرج عن قومه إلى غيرهم لكرم حلف لخرجت عن قومي إلى حلف الفضول.

  أقوال أخرى في سبب تسمية حلف الفضول

  قال الواقديّ: قد اختلف فيه، لم سمّي حلف الفضول؛ فقيل: إنه سمّي بذلك لأنهم قالوا: لا ندع لأحد عند أحد فضلا إلَّا أخذناه منه، وقيل: بل سمع بهذا بعض من لم يدخل فيه، فقال: هذا فضول من الأمر.

  وقال الواقديّ: والصحيح أن قوما من جرهم يقال لهم فضل وفضالة وفضّال ومفضّل تحالفوا على مثل هذا في أيامهم، فلما تحالفت قريش هذا الحلف سموا بذلك.


(١) أ: «الزبيري»، والمثبت من باقي الأصول وهو يوافق ما في السيرة الحلبية.

(٢) أ: «الغطيفة»، تحريف.

(٣) كذا في أ، ج، م، وفي ب، س: «القاتل».